التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          (بَابٌ).
          3497- ذكر فيه حديثَ ابن عبَّاسٍ ☻: ({إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: إنَّ النَّبيَّ صلعم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلتْ عَلَيهِ: إلَّا أنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
          الشرح: اختُلِف في ذلك على أقوالٍ:
          أحدُها: محبَّةُ قَرابة رسول الله صلعم وهم أهل بيته مِن بني هاشمٍ فمَن بعدَهم مِن أهل البيت.
          ثانيها: مودَّةُ قُرَيْشٍ، وعبارة ابن التِّين في حكايته، قيل: المرادُ عليٌّ وفاطمةُ وولدها ذكر ذلك عن رسول الله صلعم وبه قال ابن عبَّاسٍ، قال عِكْرِمَةُ: كانت قُرَيْشُ تَصِلُ الرَّحِمَ فلمَّا بُعِث مُحَمَّد قَطَعتَهُ فقال: صِلُوني كما كُنتم تَفعلونَ، فالمعنى: لكن أذكِّرُكُم قرابتي.
          ثالثها: مودَّةُ مَن يتقرَّبُ إلى الله، وهو رأي الصُّوفيَّةِ، ولا بُعدَ في دخول الكلِّ في الآية، وهو راجعٌ إلى الاعتقاد، وقال الضَّحَّاكُ: نَسَخَتَها {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام:90]، قال ابن العَرَبي: لم يكن رسولُ الله صلعم إلَّا محرَّمٌ عليه أن يأخذَ جزاءً على التبليغ، قال: وظنَّ بعضُهم أنَّه استثناءٌ منقطعٌ إذ ليس المودَّةُ مِن الأُجرة.
          3498- ثمَّ ذكر في الباب حديثَ أَبِي مَسْعُودٍ ☺: (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الفِتَنُ _نَحْوَ المَشْرِقِ_ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ). وسلف في بدء الخلق [خ¦3302].
          3499- وحديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، وَالِإيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُمِّيَتِ اليَمَنَ لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الكَعْبَةِ، وَالشَّأْمَ لأنَّها عَنْ يَسَارِ الكَعْبَةِ، وَالْمَشْأَمَةُ: المَيْسَرَةُ، وَالْيَدُ اليُسْرى: الشُّؤْمَى، وَالْجَانِبُ الأَيْسَرُ: الأَشْأَمُ).
          وقد سلف [خ¦3301]، وقد أخرجه مسلمٌ في الإيمان أيضًا.
          ومراده بـ(السَّكِيْنَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ) أنَّ أهلَها أهلُ مَسْكَنةٍ وَخُضُوعٍ، وأهل الإبل متكبِّرُونَ مُخْتَالُون كما ذُكِر، وكانوا يستحقِرُون أصحابَ الغنم، وقال الدَّاوديُّ: قوله: (والْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الفَدَّادِينَ) وَهَمٌ، وإنَّما نَسب إليهم الجَفَاء وهما في أصحاب الخيل.