التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أحب أن لا يسب نسبه

          ░16▒ (بَابُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يُسَبَّ نَسَبُهُ)
          3531- ذكر فيه حديثَ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ♦: (اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ صلعم فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ: فكَيْفَ بنَسَبِي؟ قَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.
          وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ ♦ فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم).
          قيل: إنَّما كان ذلك بعد أن دَعَاه رسول الله صلعم إلى ذلك، وقال: ((مَا مِنْ قَومٍ نَصروا أَحدًا بأسيافهم إلَّا كان حقًّا عليهم أنْ يَنصُروه بِأَلسِنَتِهم))، وكان شتمُ المشركين يشتدُّ عليه ويؤذيهِ قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر:97] ثمَّ عزَّاه فقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43]. ولَمَّا قال ذلك أتاه حسَّانُ يضربُ بلسانه أنفَه وكان طويل اللِّسان، فقال: والله يا نبيَّ الله لأفرينَّهُم / فَرْيَ الأَدِيمِ، فقال: ((وَكيفَ وَإِنَّ لِي فِيهِم حَسَبًا)) فقال: واللهِ لأسُلَّنَّك منهم سلَّ الشَّعْرةِ مِن العَجِين، ولَمَّا هَجَاهم قال ◙: ((واللهِ إنَّه عليهم لأشدُّ مِن رَشْق النَّبْل)) ولا شكَّ أنَّ مَن سُبَّ أصلُه لحقَهُ الأذى، كان عُمَرُ إذا لقي عِكْرَمةَ بن أبي جهلٍ يسبُّ أبا جهلٍ فيذكرُ ذلك لرسول الله صلعم فقال: ((لَا تَسُبَّ الميِّتَ لتُؤذُوا بهِ الحيَّ)).
          وقول عُرْوَةَ: ذهبتُ أسُبُّ حسَّانَ عند عائِشَةَ ☻ فيما كان اتَّبَعَ به عائشة ♦، وكانت لا تستحِلُّ مِن أحدٍ شيئًا؛ لأنَّ حسَّانًا ذهب ما يلحقه في ذلك بإقامة الحدِّ عليه والحدود كفَّارَةٌ لِمَا جُعِلت فيه، وكان حسَّانُ يجلس عند عائِشَةَ وينشدُها الشِّعْرَ، فقيل لها: أَتُدْخِليْنَه عليك وقد قال ما قال، واللهُ يقول: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11]؟! فقالت: عُذِّب بذهاب بصره. وأُنكِر ذلك لأنَّ الذي تولِّى كِبْرَه عبدُ الله بن أُبيٍّ.
          ومعنى (يُنَافِحُ): يُرامي ويُدافع.