التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما كانَ النبي يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه

          ░19▒ باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُعْطِي المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الخُمُسِ وَنَحْوِهِ رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ عَن النَّبِيِّ صلعم. [خ¦4430]
          ذكر فيه عشرة أحاديث:
          3143- أحدها: حديث حَكِيم بن حِزامٍ، سلف في الزَّكاة [خ¦1472].
          والتَّعليق قبله أخرجه البُخَاريُّ مسندًا في المغازي [خ¦4330] والتَّمنِّي [خ¦7245] عن موسى بن إسماعيل عن وُهَيبٍ عن عمرو بن يحيى بن عُمَارة عن عَبَّاد بن تَميمٍ عنه.
          3144- ثانيها: حديث نافعٍ أنَّ عمرَ قَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ).
          وقد سلف في بابه [خ¦2032]، زاد هنا: (وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، قَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ انْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ الله صلعم عَلَى السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلِ الجَارِيَتَيْنِ، قَالَ نَافِعٌ: وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ الله صلعم مِن الجِعِرَّانَةِ وَلَو اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللهِ.
          وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوب عن نافعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ: (و قَالَ مِنَ الخُمُسِ) وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوب عن نافعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ: يَوْم.
          وزيادة جريرٍ أخرجها مسلمٌ عن أبي الطَّاهر: أخبرنا ابن وَهبٍ عن جريرٍ به.
          ورواية مَعمرٍ أسندها في المغازي عن ابن مُقاتلٍ أخبرنا عبد الله عن مَعمرٍ به: ((لمَّا قفلنا مِنْ حُنينٍ سأل عمر عن نذرٍ)).
          وقال الدَّارَقُطْنيُّ: اختلف على ابن عُيَينة عن أَيُّوب في أمر الجاريتين، فأرسله عنه قومٌ ووصله آخرون، وفي بعض أسانيده إرسالٌ وتعليقٌ، وسائرها مسندةٌ.
          وقال الجَيَّانيُّ: كذا رُوي مرسلًا عند ابن السَّكَن وأبي زيدٍ، وعند أبي أحمد الجُرْجانيِّ: أَيُّوب عن نافعٍ عن ابن عمرَ، وذلك وهمٌ، والصَّواب الإرسال مِنْ رواية حمَّاد بن زيدٍ.
          وقول نافعٍ: (وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنَ الجِعِرَّانَةِ)، وهمٌ ظاهرٌ كما نبَّه عليه الدِّمْياطيُّ، لأنَّ مسلمًا وأبا داود والتِّرمِذيَّ وابن سعدٍ روَوه أنَّه اعتمر منها مِنْ حديث قَتَادة عن أنسٍ، وروَوه أيضًا عن ابن عبَّاسٍ إلَّا مسلمًا.
          وقد رواه البُخَاريُّ في باب: مَنْ قسم الغنيمة في غزوه وسفره مِنْ حديث همَّامٍ عن قَتَادة عن أنسٍ: ((اعتمر النَّبي صلعم مِنَ الجِعِرَّانة حيث قسم غنائم حُنينٍ)) وقد أسلفناه.
          وقال البُخَاريُّ في المغازي: ورواه جَرير بن حازمٍ وحمَّاد بن سَلمة عن أَيُّوب.
          تعليق حمَّادٍ: أخرجه مسلمٌ مِنْ حديث حجَّاج بن مِنْهالٍ عنه، وأخرجه مِنْ حديث ابن إسحاق عن نافعٍ عن ابن عمر في النَّذر، وفي حديثهما جميعًا: اعتكاف يومٍ.
          وذكر في «الأطراف» أنَّ رواية حجَّاجٍ هذه عن حمَّادٍ، وذكر ابنُ طاهرٍ في «رجال الصَّحيحين» أنَّ حجَّاج بن مِنْهالٍ سمع حمَّاد بن سَلَمة في النُّذور مِنْ رواية الدَّارِميِّ عنه.
          قال البُخَاريُّ: وقال بعضهم: حمَّادٌ عن أَيُّوب عن نافعٍ عن ابن عمر.
          قلت: أخرجه مسلمٌ عن أحمد بن عَبْدَة، حدَّثنا حمَّادُ بن زيدٍ عن أَيُّوب عن نافعٍ، قال: ذُكر عند ابن عمرَ عُمْرةُ رسول الله صلعم مِنَ الجِعِرَّانة، قال مسلمٌ، ثُمَّ ذكر نحو حديث جَرير بن حازمٍ ومَعمرٍ عن أَيُّوب.
          3145- الحديث الثَّالث: حديث عمرو بن تَغْلِبَ ☺: أَعْطَى رَسُولُ الله صلعم قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي أُعْطِي أَقْوَامًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ الله فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الخَيْرِ وَالغِنَى مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ) قال عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ الله صلعم حُمْرَ النَّعَمِ.
          وَزَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: ((أَنَّ رَسُولَ الله صلعم أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْيٍ فَقَسَمَهُ بِهَذَا)).
          وهذه الزِّيادة سلفت في العيدين عن محمَّد بن مَعمرٍ عن أبي عاصمٍ [خ¦923].
          فائدةٌ: (عمرو بن تَغلبَ) هو مِنَ النَّمِرِ بن قاسِط بن هِنْبِ بن أَفْصَى بَصريٌّ، وقال بعضهم: هو عبديٌّ، أي: مِنْ عبد الله بن أَفْصَى، للحسن عنه أحاديثُ منها في «الصَّحيح».
          3146- الحديث الرَّابع: حديث أنسٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ لِأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ) ويأتي في المغازي [خ¦4331].
          3147- الخامس: حديثه أيضًا أنَّ ناسًا مِنَ الأنصار قالوا لرسول الله صلعم حين أفاء الله على رسوله مِنْ أموال هَوازنَ.
          3148- الحديث السَّادس: حديث جُبَيْر بن مُطْعمٍ (بينما هُوَ مَعَ رَسُولِ الله صلعم وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللهِ صلعم الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ).
          3149- الحديث السَّابع: حديث أنسٍ (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ...) الحديث، ويأتي في اللِّباس والأدب [خ¦5809]، وأخرجه مسلمٌ في الزَّكاة، والنَّسَائيُّ في اللِّباس مختصرًا.
          3150- الثَّامن: حديث ابن مسعودٍ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم أُنَاسًا فِي القِسْمَةِ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِئَةً مِنَ الإِبِلِ...)، ويأتي في المغازي وأحاديث الأنبياء [خ¦4335] [خ¦3405]، وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          3151- الحديث التَّاسع: حديث أسماء بنت أبي بكرٍ: (كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيرِ...) الحديث، وأخرجه مسلمٌ والنَّسَائيُّ، وقال أبو ضَمْرة عن هشامٍ عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صلعم أقطع الزُّبَير أرضًا مِنْ أموال بني النَّضير هذا مرسلٌ.
          3152- الحديث العاشر: حديث ابن عمر: (أنَّ عُمَرَ أَجْلَى اليَهُودَ وَالنَّصَارَى...) الحديث، وسلف في المُزَارعة [خ¦2285].
          واعلم أنَّ (المؤلَّفة قلوبهم) جماعةٌ، منهم: أبو سفيان بن حربٍ، وحكيمُ بن حِزامٍ، والحارث بن هِشامٍ، وسُهيل بن عمرٍو الجُمَحيُّ، وحُوَيطِب بن عبد العُزَّى، وصفوانُ بن أميَّة، ومالك بن عَوفٍ، والعلاء بن حارثة.
          قال ابن إسحاق: أعطى كلَّ واحدٍ مِنْ هؤلاء مئة بعيرٍ مئة بعيرٍ، وأعطى مَخْرمة بن نوفلٍ وعُمَير بن / وَهبٍ الجُمَحيَّ وهشام بن عمرٍو العامريَّ، ولا أدري كم أعطاهم، وأعطى سعيد بن يَرْبُوعٍ خمسين بعيرًا، وعبَّاس بن مِرْداسٍ أباعرَ قليلةً.
          وذكر منهم أبو عمرَ: النَّضْرَ بن الحارث بن عَلقَمة بن كَلَدَةَ، وعُيَينةَ بن حِصْنٍ ووَهْبَ بن أبي أميَّة المخزوميَّ، وسفيانَ بن عبد الأسد، والسَّائبَ بن أبي السَّائب، ومُطيعَ بن الأسود، وأبو جَهْم بن حُذَيفة، ونوفلَ بن معاويةَ.
          وذكر ابن الجَوزيُّ منهم الأقرعَ بن حابسٍ، وعبدَ الرَّحمن بن يَرْبوعٍ، وزيدَ الخيلِ، وعَلْقمةَ بن عُلَاثة، والجَدَّ بن قيسٍ، وجُبَيْرَ بن مُطْعمٍ، وحَكِيمَ بن طُلَيق بن سفيانَ بن أميَّةَ بن عبد شمسٍ، وخالدَ بن قيسٍ السَّهْميَّ، وعمرو بن مِرداسٍ السُّلَميَّ، وأبا السَّنابل بن بَعْكَكٍ، وقيسَ بن عَديٍّ السَّهميَّ _وذكره عبد الرَّزَّاق في «تفسيره» عن يحيى بن أبي كَثيرٍ عَديُّ بن قيسٍ السَّهميُّ_ وقيسُ بن مَخْرَمةَ، ومعاويةُ بن أبي سفيانَ، وعند ابن طاهرٍ في «إيضاح الإشكال»: وعمرُو بن الهَيثم، وعند الصَّغَانيِّ: وأُبيُّ بن شَرِيقٍ، وكعبُ أبو الأخْنَس، وأُحَيْحَة بن أميَّة بن خلفٍ، وحَرْمَلةُ بن هَوْذةَ، وخالدُ بن أَسِيد بن أبي العِيْصِ، وخلفُ بن هشامٍ، وخالدُ بن هَوْذةَ العامريُّ، وشَيبةُ بن عثمانَ الحُجَبيُّ، وعِكرمةُ بن عامرٍ العَبْدَريُّ، وعَمَيرُ بن وَدَقَة، ولَبِيدُ بن رَبيعة العامريُّ، والمُغِيرةُ بنُ الحارث بنِ عبد المطَّلب، وهشامُ بن الوليد أخو خالدِ بن الوليد، فهؤلاء نحو الخمسين.
          وقال ابن التِّيْنِ: إنَّهم فوق الأربعين منهم عِكْرِمة بن أبي جهلٍ.
          فصلٌ: حقيقة المؤلَّفة: مَنْ أسلم ونيَّتُه ضعيفةٌ أو له شرفٌ يُتوقَّع بإعطائه إسلامُ نظرائه، وحاصل المذهب عندنا أنَّهم يُعطَون مِنَ الزَّكاة، ومؤلَّفة الكفَّار لا يُعطَون شيئًا، لأنَّ الله أعزَّ الإسلام وأهله.
          وادَّعى ابن بَطَّالٍ أنَّ الشَّافعيَّ قال: إنَّه كان يعطيهم مِنْ خُمس الخُمس، وقال: وهذه الآثار تردُّ قوله، فإنَّه زعم أنَّه ◙ إنَّما كان يعطيهم وغيرَهم مِنْ خُمس الخُمس خاصَّةً، لأنَّه سهمه خاصَّةً، وهذا شيءٌ تقوَّله على الشَّافعيِّ، فإنَّ مذهبه: أنَّهم يُعطَون مِنَ الزَّكاة، وقيل: مِنْ سهم المصالح.
          ثُمَّ نقل عن إسماعيل القاضي أنَّ هذه قسمةٌ لم يعدل فيها الشَّافعيُّ، لأنَّه لا يتوهَّم أحدٌ أنَّ خُمس الخُمس يكون مبلغه ما أُعطي المؤلَّفة مِنْ تلك العطايا الكثيرة، فإن كان ذلك كلُّه مِنْ خُمس الخُمس، فإنَّ أربعة أخماس الخُمس أضعاف ذلك.
          قال إسماعيل: وإعطاؤه المؤلَّفة مِنَ الخُمس، وليس للمؤلَّفة ذكرٌ فيه ولا في الفيء، وإنَّما ذُكروا في الصَّدقات، فدلَّ إعطاؤهم مِنْ غنائم حُنينٍ أنَّ الخُمس يقسمه الإمام على ما يراه، وليس على الأجزاء الَّتي قال الشَّافعيُّ وأبو عُبيدٍ، ولو كان كذلك لما جاز أنْ يعطيَ المؤلَّفة مِنْ ذلك شيئًا.
          قال ابن بَطَّالٍ: وآثار الباب تَرُدُّ أيضًا مقالة قومٍ ذكرهم الطَّبَريُّ زعموا أنَّ إعطاءهم كان مِنْ جملة الغنيمة لا مِنَ الخمس، وزعموا أنَّه كان له أن يمنع الغنيمة مَنْ شاء ممَّن حضر القتال ويعطيها مَنْ لم يحضر، وهو قولٌ مردودٌ بالآثار الثَّابتة، وبدلائل القرآن.
          ونقل ابن التِّيْنِ عن مالكٍ: إعطاؤهم مِنَ الخمس وإن أُتي عليه، قال: وقيل: ممَّا لله ولرسوله مِنَ الخمس.
          فصلٌ: وكان حَكيمٌ ممَّن استُؤلف بالمال، لأنَّه كان يحبُّه.
          وفيه ردُّ السَّائل إذا ألحف بالموعظة الحسنة لا بالانتهار الَّذي نهى الله عنه.
          وفيه أنَّ الحرص على المال والإفراط في حبِّه وطلبه يوجب المَحْقَ له، وأنَّ النَّفس الشَّريفة الَّتي هي سخيَّةٌ به إن أعطته أو أخذته، ولم تكن عليه حريصةً يبارك لها فيه كما قال ◙، وقد سلف كثيرٌ مِنْ معانيه هناك. وفيه ذمُّ كثرة الأكل وتقبيحُه.
          قال الدَّاوُديُّ: (فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ..) أي: نفسِ المعطي ويحتمل الآخذ، وكذا قوله: (بِإِشْرَافِ نَفْسٍ).
          وقوله: (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) كذا في بعض النُّسخ، والصَّواب: <خَضِرٌ حلوٌ> أي: محبوبٌ.
          وقوله: (كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) قال الدَّاوُديُّ: هو مَنْ تَتُوق نفسُه إلى كلِّ شهوةٍ، فيبذِّر ولا يبقي شيئًا، كلَّما أتلف شيئًا عاد إلى مثله.
          وقيل: علَّة تُسمَّى الكلبيَّة، يأكل معها مَنْ هي به ولا يشبع، ومعنى (لَا أَرْزَأُ) لا آخذُ منه شيئًا، وأصلُ أرزأ: انتقص.
          فصلٌ: وقول عمرَ: (كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ) قيل: يريد زمن الجاهليَّة وهو مسلمٌ، وقيل: وهو كافرٌ ونُسخ ذلك، ذكره ابن التِّيْنِ، وإنَّما ذكره هنا لذكر الجاريتين.
          وفيه أنَّ سبي حُنينٍ كان قُسم بعد الانتظار.
          و(السِّكَك): الطُّرق.
          وقوله: (فَمَنَّ رَسُولُ الله صلعم عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ...) فيه قبول ما فشا مِنَ الخبر وإن لم يُسمعه مَنْ يُعتمد عليه.
          وقول نافعٍ: (لَمْ يَعْتَمِرْ صلعم مِنَ الجِعِرَّانَةِ) قد أسلفنا أنَّه وهمٌ، وأنَّه اعتمر منها، قال ابن التِّيْنِ: قد ذكر جماعةٌ أنَّه اعتمر منها حين فرغ مِنْ حُنينٍ والطَّائف، وكان ذلك عام ثمانيةٍ، وانصرف مِنَ العمرة في آخر ذي القَعدة، وحجَّ بالنَّاس عتَّاب بن أَسِيْدٍ، وليس في قول نافعٍ حجَّةٌ، لأنَّ ابن عمرَ ليس كلُّ ما علمه حدَّث به نافعًا، ولا كلُّ ما حدَّث به مَنْ حَفِظَه نافعٌ، ولا كلُّ ما علمه ابن عمرَ لا ينساه، والعُمْرة مِنَ الجِعِرَّانة أشهر مِنْ هذا وأظهر مِنْ أن يشكَّ فيها.
          وقول ابن عمرَ: (مِنَ الخُمُسِ) صوابٌ، لأنَّ الغنيمة إذا قُسمت لم يُختلف في ملكهم لها.
          فصلٌ: وقول عمرو بن تَغْلبَ: (عَتَبُوا) أي: لاموا، قال الخليل: حقيقة العِتاب: مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة.
          فصلٌ: وقوله في حديث أنسٍ الثَّاني: (إنَّي لأعطي رجالًا حديثِي عهدِهم بكفرٍ) هو جارٍ على مذهب سِيبَوَيه وحدَه في قوله: مررت برجلٍ حسنِ وجهِه، والجماعة لا يجيزونه على إضافة حسن إلى الوجه.
          فصلٌ: والسَّمُرة في حديث جُبَيْرٍ: شجرٌ طوالٌ متفرِّق الرُّؤوس قليل الظِّلِّ صغار الورق قصار الشَّوك جيِّد الخشب، والعَضاه شجر الشَّوك كالطَّلْح والعَوْسَج والسِّدر قاله القزَّاز، قال الخَطَّابيُّ: السَّمُرة ورقها أثبت وظلُّها كثيفٌ، قال: ويُقال: هي شجر الطَّلْح. وقال الدَّاوُديُّ: السَّمُر هي العِضاه.
          واختُلف في واحد العِضاه: فقيل: عَضَهةٌ، مثل: شَفةٍ أصلها: شَفَهةٌ، حُذفت منها الهاء الأصليَّة في مفردها كشَفةٍ، وقيل: هي عَضاهةٌ، مثل شجرةٍ وشجرٍ.
          وفيه استعمالُ حسن الأخلاق والحِلم لجهَّال النَّاس والأعراب، وقلَّة ردِّهم بالخيبة.
          وفيه أنَّ سنَّة الأمراء أن يسكتوا عن ردِّ السَّائل ويتركوه تحت الرَّجاء، ولا يُؤْيِسُوه ويوحشوه.
          وفيه مدحُ الرَّجل نفسه إذا أُلحف عليه بالمسألة في المال أو العلم أو غيره.
          وفيه أنَّه ◙ مدح نفسه بالجود العظيم، ووصف نفسه بالشَّجاعة والبأس الَّذي بسببه كانت الأعراب تسأله، ووصف نفسه / بالصِّدق فيما يعدُ به مِنَ العطاء.
          وفيه أنَّ مَنْ أخلف وعدًا أنَّه جائزٌ أن يُسمَّى كاذبًا، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ} [مريم:54].
          وفيه _كما قال ابن المُنْذرِ_ أنَّ الإمام بالخيار، إن شاء قسَّم الغنائم بين أهلها قبل أن يرجع إلى بلاد الإسلام، وإن شاء أخَّر ذلك على قدر فراغه وشغله إلى وقت خروجه، وعلى قدر ما يرى مِنَ الصَّلاح فيه.
          فصلٌ: وفي حديث أنسٍ أنَّ على الإمام أن يمتحن ما يكره ممَّا يبلغه مِنَ الأخبار، ولا يدع النَّاس يخوضون مِنْ أمره فيما يُوزَرُون به، فربَّما أورث ذلك نفاقًا في قلوبهم، فيجب امتحان ما سمعه مِنْ ذلك واختباره بنفسه، حتَّى يتبيَّن وجه ما أُنكر عليه ومعنى مراده ليُذهب نزغات الشَّيطان مِنْ نفوسهم، كما فعل ◙ بالأنْصار حين رضَّاهم بما لم يكونوا يرضَون به مِنْ قبلُ مِنَ الأثرة عليهم، لِما بيَّنه لهم.
          وفيه أنَّ الإمام إذا اختصَّ قومًا بنفسه وجيرته أن يعلم لهم حقَّ الجوار على غيرهم مِنَ النَّاس. وفيه شرف جيران الملك على سائر مَنْ بعُد عن جيرته.
          وفيه أنَّ الرَّجل العالم والإمام العادل خيرٌ مِنَ المال الكثير.
          وفيه استئلاف النَّاس بالعطاء الجزيل، لما في ذلك مِنَ المنفعة للمسلمين والدِّفاع عنهم.
          وفيه أنَّ الأنصار لا حقَّ لهم في الخلافة، لأنَّه ◙ عرَّفهم أنَّه سيؤثر عليهم، والمؤثَر يجب أن يكون مِنْ غيرهم، ألا ترى قوله: (اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ صلعم) فعرَّفهم أنَّ ذلك حالُهم إلى انقضاء الزَّمن.
          وفي حديث أنسٍ أيضًا: صبر السَّلاطين والعلماء بجهَّال السُّؤال، واستعمال الحلم لهم، والصَّبر على أذاهم نفسًا ومالًا.
          فصلٌ: وفي حديث ابن مسعودٍ الأثرةُ في القسمة نصًّا.
          وفيه الإعراض عن الأذى إذا لم يعيَّن قائله، والتَّأسِّي بما تقدَّم مِنَ الفضلاء في الصَّبر والحلم.
          وفي حديث أسماء عونُ المرأة للرَّجل فيما يمتهن فيه الرَّجل، وذلك مِنْ باب التَّطوُّع منها، وليس بواجبٍ عليها، وسيُعلم في كتاب النِّكاح ما يلزمها مِنْ خدمة زوجها، واختلاف العلماء فيه عند ذكره [خ¦5224] [خ¦5362].
          وهذه الأرض الَّتي أقطعها له مِنْ بني النَّضير ليست مِنْ جملة الخُمس، لأنَّه أجلى بني النَّضير حين أرادوا الغدر به وقتله، فكانت فيئًا لمَّا لم يوجَف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ، فحبس منها لنوائبه، وقسم أكثرها في المهاجرين خاصَّةً، فلم يجرِ فيه ◙ خُمسٌ.
          وأمَّا خيبرُ: فإنَّ ابن شِهابٍ قال: إنَّ بعضها عَنوةً وبعضها صلحًا، وما كان عَنْوةً فجرى فيه الخُمس.
          وأمَّا قوله: (وَكَانَت الأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ صلعم وَلِلْمُسْلِمِينَ) فقد اختلفت الرِّواية في ذلك، فروى ابن السَّكَن عن الفَرَبْريِّ: <وكانت الأرضُ لمَّا ظهَرَ عليها لله وللرَّسول وللمُسلمين>، وقال القابِسيُّ: (لليهود) ولا أعرفه، وإنَّما هو لله وللرَّسول وللمسلمين، وقال ابن أبي صُفرة: بل الصَّواب لليهود، وهو الصَّحيح، وكذلك روى النَّسَفيُّ عن الفَرَبْريِّ.
          وقوله: (لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا) أي: بفتح أكثرها ومعظمها، قبل أنْ تسأله اليهود أن يصالحوه بأن ينزلوا ويعطوه الأرض، ويسلِّمهم في أنفسهم، فكانت لليهود، فلمَّا صالحهم على أن يسلِّموا له الأرض كانت هذه لله ورسوله، يريد: هذه الأرض الَّتي صالحه اليهود بها، وخمَّس الأرض الَّتي كان أخذها عَنوةً، وللمسلمين الأربعة الأخماس مِنَ العَنوة، ولم يكن لليهود فيها شيءٌ، لخروجهم عنها بالصُّلح، والدَّليل على ذلك أنَّ عمر لمَّا أخرجهم أعطاهم قيمة الثَّمرة لا قيمة الأصول، فصحَّ أنَّهم كانوا مُساقين فيها بعد أنْ صولحوا على أنفسهم.
          قال الخَطَّابيُّ: لست أدري كيف يصحُّ إقطاع أرض المدينة وهم أسلموا راغبين في الدِّين إلَّا أن يكون على الوجه الَّذي جاء فيه الأثر عن ابن عبَّاسٍ أنَّ الأنصار جعلت لرسول الله صلعم ما لم يبلغه الماء مِنْ أرضهم، فيحتمل أن يكون ◙ أقطع الزُّبَير منها فأحياها.
          ودلَّ قول أسماء: (أَنْقُلُ النَّوَى مِنْهَا) أنَّه كان فيها نخلٌ فلا ينكر أن يكون الزُّبَير غرسَ فيها نخلًا، فطالت وأثمرت، لأنَّه بقي إلى أيَّام عليٍّ، ومات يوم الجمل كما سلف، وأمَّا إقطاعُه مِنْ أرض بني النَّضير فهو بيِّنٌ، وهو أن يكون ذلك مِنْ ماله، لأنَّه ◙ اصطفاها فكان ينفق منها على أهله، ويردُّ فضلها في نوائب المسلمين. وقد رُوي أنَّه ◙ أعطاه الأنصار حين قدم المدينة نخلاتٍ كلُّ قبيلةٍ، فلما أجلى بني النَّضير ردَّها فلا يبعد أن يكون أقطع الزُّبَير.
          فصلٌ: في حديث ابن عمرَ: (أَجْلَى اليَهُودَ) أي: أخرجهم مِنْ وطنهم، يُقال: أجليت القوم عن وطنهم، وجلَوتهم، وجلا القومُ وأجلَوا وجلَوا، وإنَّما فعل هذا عمرُ ☺ لقوله ◙: ((لا يبقينَّ دِينان بجزيرة العرب)) والصِّدِّيق اشتغل عنه بقتال أهل الرِّدَّة أو لم يبلغه الخبر.
          خاتمةٌ للباب: كانت المؤلَّفة قسمين على عهد رسول الله صلعم:
          مؤمنٌ لم يستقرَّ الإسلامُ في قلبه، فلم يزل يُعطيهم حتَّى استقرَّ في قلوبهم، وجماعةٌ مِنْ أهل الكتاب وغيرهم كان يتألَّفهم اتِّقاء شرِّهم، وقال جماعةٌ: هم قومٌ كانوا يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، كانوا يُتألَّفون بدفع سهمٍ مِنَ الصَّدقة إليهم، لضعف يقينهم.
          وقال الزُّهْريُّ: المؤلَّفة مَنْ أسلم مِنْ يهوديٍّ أو نَصرانيٍّ وإن كان غنيًّا، واختلف العلماء في بقاء سهمهم، فقال عمرُ والحسن والشَّعْبيُّ وغيرهم: انقطع هذا الصِّنف بعزِّ الإسلام وظهوره، وهو مشهور مذهب مالكٍ وأبي حَنيفةَ، وقال بعض الحنفيَّة: لمَّا أعزَّ الله الإسلام وقطع دابر الكافرين اجتمعت الصَّحابة في زمن الصِّدِّيق على سقوط سهمهم.
          وقال الشَّافعيُّ: هذا الصِّنف مفقودٌ اليوم، فإن وُجدوا أخذوا، والأصح عندَه: خلافه. وقال جماعةٌ: هم باقون، ثُمَّ إنَّ سهمهم يرجع إلى باقي الأصناف، وقال الزُّهْريُّ: يُعطى نصفُ سهمهم لعمارة المساجد.
          وقال الرَّازيُّ: كانوا يتألَّفون لجهاتٍ ثلاثةٍ:
          أحدها: الكفَّار، لدفع معرَّتهم وكفِّ أذاهم عن المسلمين، واستعانةً بهم على غيرهم مِنَ المشركين.
          ثانيها: لاستمالة قلوبهم للإسلام، ولئلَّا يَمنعوا مَنْ أسلم مِنْ قومهم مِنَ الثَّبات على الإسلام.
          الثَّالثة: لأنَّهم حديثُ عهدٍ بكفرٍ، فيُخشى مِنْ رجوعهم إليه.
          فصلٌ: قوله: (وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ الله صلعم إِلَى رِحَالِكُمْ) فيه تغبُّطهم بذلك، وأَعظمْ بها غبطةً!