التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في بيوت أزواج النبي وما نسب من البيوت إليهن

          ░4▒ باب: مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ، وقول الله ╡: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، و{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53].
          ذكر فيه سبعةَ أحاديثَ:
          3099- أحدها: حديث عائشة: (لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ الله صلعم اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ).
          3100- ثانيها: حديثها أيضًا: ((تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلعم فِي بَيْتِي وَفِي نَوْبَتِي وَبَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحمن بِسِوَاكٍ فَضَعُفَ النَّبِيُّ صلعم، فَأَخَذْتُهُ فَعَضَضْتُهُ، ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ)).
          3101- ثالثها: حديث صفيَّة: (جَاءَتْ رَسُولَ الله صلعم تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفْ، فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ...) الحديثَ.
          3102- رابعها: حديث ابن عمرَ ☺: (ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ).
          3103- خامسها: حديث عائشة ♦ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ الله صلعم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا).
          3104- سادسها: حديث نافعٍ: عن عبد الله قال: قَامَ النَّبِيُّ صلعم خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: (هُنَا الْفِتْنَةُ _ثَلَاثًا_ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ).
          3105- سابعها: حديث عائشةَ ♦: أنَّه صلعم كان عندها، وأنَّها سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فقلت: يَا رَسُولَ الله هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فقال صلعم: (أُرَاهُ فُلَانًا _لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ_ إنَّ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ).
          الشَّرح: هذه الأحاديث سلفت، فالأوَّل في الطَّهارة والهبة [خ¦198] [خ¦2588] ويأتي في المغازي والطِّبِّ [خ¦4442] [خ¦5714]، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، والثَّاني مِنْ أفراده، ويأتي في المغازي [خ¦4438]، والثَّالث سلف في الاعتكاف [خ¦2035]، والرَّابع في الطَّهارة [خ¦145]، والخامس في الصَّلاة [خ¦522]، والسَّادس في بدء الخلق والطَّلاق والمناقب والفتن [خ¦3279] [خ¦3511] [خ¦5296] [خ¦7092]، وأخرجه أيضًا مسلمٌ، والسَّابع سلف في الشَّهادات [خ¦2646] ويأتي في النِّكاح [خ¦5239] وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          ودخول هذه التَّرجمة في الفقه لأنَّ سُكناهنَّ في بيوت رسول الله صلعم مِنَ الخصائص كما استحققنَ النَّفقة بحبسهنَّ أبدًا.
          وهذه الأحاديث ساقها إذ فيها نسبةُ البيوت إليهنَّ، تنبيهًا على أنَّ بهذه النِّسبة يتحقَّق دوام استحقاقهنَّ البيوت ما بَقِين.
          وحديث صفيَّة ظاهرٌ فيما ترجم له.
          وقوله فيه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ) هو إشارةٌ إلى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] أي: لو جلستْ في بيتها لم يَعرض لها ذلك، واعترض الإسماعيليُّ، فقال: حديث ابن عمر _يعني السَّادس_ لا دلالة فيه على الملك الَّذي أراده البُخَاريُّ، لأنَّ المستعير والمستأجر والمالك يستوون في المسكن.
          وقال الطَّبَريُّ: إن قلت: إن كان لا يورث صلعم بالحديث السَّالف [خ¦3093] فكيف سكن أزواجُه بعده في مساكنه إن كنَّ لم يرثنه، وكيف لم يخرجن عنها؟ ثُمَّ أجاب بأنَّ طائفةً مِنَ العلماء قالت: إنَّه صلعم إنَّما جعل لكل امرأةٍ منهنَّ كانت ساكنةً في مسكنٍ سكنَها الَّذي كانت تسكنه في حياته، فملكت ذلك في حياته، فتوفِّي يوم توفِّي وذلك لها.
          ولو كان صار لهنَّ ذلك على وجه الميراث عنه لم يكن لهنَّ منه إلَّا الثَّمن، ثُمَّ كان ذلك الثَّمن أيضًا مشاعًا في جميع المساكن لجميعِهنَّ، وفي ترك منازعة العبَّاس وفاطمة إياهنَّ في ذلك وترك منازعة بعضهنَّ بعضًا دليلٌ واضحٌ على أنَّ الأمر في ذلك كما ذكرناه، وقد قال تعالى لهنَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} لئلَّا يخرجن عن منازلهنَّ بعد وفاته صلعم.
          وقال آخرون: إنَّما تُركن في المساكن الَّتي سكنها في حياته، لأنَّ ذلك كان مِنْ بيوتهنَّ التي كان صلعم استثناه لهنَّ ممَّا كان بيده أيَّام حياته.
          كما استثنى نفقاتهنَّ حين قال: ((ما تركت بعد نفقة نسائي ومَؤُونة عاملي فهو صدقةٌ)) ويدلُّ على صحَّة ذلك، أنَّ مساكنهنَّ لم يرثها عنهنَّ ورثتهنَّ، ولو كان ذلك ملكًا لهنَّ كان لا شكَّ يورث عنهنَّ.
          وفي ترك ورثَتِهِنَّ حقوقَهم مِنْ ذلك دليلٌ أنَّه لم يكن لهنَّ ملكًا، وإنَّما كان لهنَّ سكناه حياتهنَّ، فلما مضين لسبيلهنَّ جُعل ذلك زيادةً في المسجد الَّذي يعمُّ المسلمين نفعُه، كما فُعل ذلك في الَّذي كان لهنَّ مِنَ النَّفقات في تركته صلعم، صُرف فيما يعمُّ المسلمين نفعه.
          قال المهلَّب: وفي هذا مِنَ الفقه أنَّ مَنْ سكَن حبسًا حازه بالسُّكنى وإن كان للمحبِّس فيه بعض السُّكنى والانتفاع، أنَّ ذلك جائزٌ في التَّحبيس ولا ينقضُ التَّحبيس ما له فيه مِنَ الانتفاع اليسير، لأنَّه صلعم كان ينتاب كلَّ واحدةٍ منهنَّ في نوبتها، فليلةٌ مِنْ تسع ليالٍ / يسيرٌ، ولذلك قال: إنَّ المحبِّس قد يسكن في البيت مِنَ الدَّار الَّتي حبَّس ولا ينتقض بذلك حوزها.
          فصلٌ: قوله تعالى: ({وَقَـِرْنَ}) قُرئ بفتح القاف وكسرها، فمَنْ كسر فعلى وجهين:
          أحدهما أنَّه مِنْ وقَرَ في المكان يَقِرُ إذا ثبتَ فيه. وقال محمَّد بن يزيد: هو مِنْ قَرَرْتُ في المكان أَقِرُّ، أصلُه واقْرِرْنَ فخُفِّفَتْ، حُذِفَتِ الرَّاءُ الأولى وأُلْقِيَتْ حركتُها على القاف.
          ومَنْ فتحَ فَعَلَى قولين أيضًا:
          قيل: هو مِنْ قَرِرْتُ بالمكان أَقَرُّ، والأصل واقْرَرْنَ.
          وقال النَّحَّاس: يجوز أن يكون مِنْ قَرِرْتُ به عينًا أَقَرُّ، والمعنى: واقْرَرْنَ به عينًا في بيوتِكُنَّ.
          فصلٌ: قول عائشة ♦: (بين سَحْرِي وَنَحْرِي) السَّحْر: بين الثَّديين إلى النَّحر، قاله الدَّاوُديُّ، وقيل: هو الزَّنْد، قال صاحب «العين»: السَّحْر والنَّحْر الرِّئة وما يتعلَّق بالحُلْقُوم.
          وقولها: (تُوُفِّيَ فِيْ يَوْمِي) أي: في اليوم الَّذي هو نوبتها على الحساب، وإن كان في سائر الأيَّام عندها.
          وقولها: (سَنَنْتُهُ بِهِ) أي: سوَّكتُه.
          وفي قصَّة صفيَّة: زيارة المعتكف امرأته.
          وقوله: (أَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ) يعني: جهة المشرق، يعني: العراق وما والاها.
          وقد سلف جملةٌ مِنْ فوائد ذلك مفرَّقًا.