التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول}

          ░7▒ باب: قولِ الله ╡: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41]
          يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللهُ يُعْطِي).
          ذكر فيه خمسةَ أحاديث:
          3114- أحدها: حديث جابرٍ: (وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنَ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ محمَّدًا قَالَ شُعبة فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي...) وساق الحديث وفي آخره: (سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي).
          3115- ثانيها: حديث جابرٍ مثله.
          3116- ثالثها: حديث معاوية: (مَنْ يُرِد اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ).
          3117- رابعها: حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صلعم قال: (مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ).
          3118- خامسها: حديث أبي الْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ _وَاسْمُهُ نُعْمَانُ_ عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ ♦ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
          الشَّرح: تعليق البُخَاريِّ الأوَّل أسنده أبو داود عن سَلَمة بن شَبِيبٍ عن عبد الرَّزَّاق عن مَعْمرٍ عن همَّامٍ عن أبي هريرةَ بلفظ: ((إنْ أنا إلَّا خازنٌ أضعُ حيث أُمرت)) وقد أسنده في الباب بمعناه.
          وتعليق حُصينٍ في حديث جابرٍ الأوَّل أسنده مسلمٌ في كتاب الأدب مِنْ «صحيحه».
          وتعليق عمرو أسنده أبو نُعَيْمٍ الأصبهانيُّ عن أبي العبَّاس، حدَّثنا يوسف القاضي حدَّثنا عمرو بن مرزوقٍ أخبرنا شُعبة عن قَتَادة... الحديث.
          وحديثُ معاوية سلف [خ¦71]، وعبد الرَّحمن بن أبي عَمرة الرَّاوي عن أبي هريرة الحديث الرَّابع اسم والده بَشِير بن عمرو بن مِحْصَن بن عمرو بن عَتِيك بن عمرو بن مَبذول بن عامر بن مالك بن النَّجَّار، قُتل بصِفِّين مع عليٍّ، وشهد أخوه ثعلبة بدرًا، وأبو عبيدة قُتل يوم بئر مَعونة، وحَبيبٌ قُتل باليمامة، وأمُّهم كَبشة بنت ثابتٍ أخت حسَّان بن ثابتٍ، وأمُّ عبد الرَّحمن وعبد الله ابني أبي عَمرة بنت المُقَوَِّمِ شقيقِ حمزةَ وصفيَّة بنت عبد المطَّلب، وابْن عمِّهما عبد الرَّحمن بن ثعلبة بن عمرو بن مِحْصنٍ أخرج له ابن ماجَهْ عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صلعم قطع يد عَمرو بن سَمُرَة أخي عبد الرَّحمن بن سَمُرَة في السَّرقة، وعبد الرَّحمن بن أبي عَمرة قاضي المدينة. واسم أبي الأسوَد في حديث خَوْلة: محمَّد بن عبد الرَّحمن بن نَوفلٍ، يَتِيم عُروةَ، والنُّعمانُ بن أبي عيَّاشٍ: عُبيد _وقيل زيدٌ_ ابن معاوية بن صامت بن زيد بن خَلْدة بن عامر بن زُرَيقٍ أخي بَيَاضة، وأبو عيَّاش فارس جَلْوَة.
          وهذا الحديث _أعني حديث خَولة_ أخرجه مسلمٌ أيضًا، ولمَّا ذكره التِّرمِذيُّ مِنْ حديث سعيد بن أبي سعيدٍ عن أبي الوليد عُبيد بن الوليد _يعني سَنُوطا فيما ذكره الجَيَّانيُّ_ قال: سمعت خَوْلة بنت قيسٍ وكانت تحت حمزة بن عبد المطَّلب، سمعت رسول الله صلعم يقول: ((إنَّ هذا المال خَضِرةٌ حُلْوة، مَنْ أصابه بحقِّه بُورك له فيه، وربَّ متخوِّضٍ فيما شاءت نفسه مِنْ مال الله ورسوله، فليس له يوم القيامة إلَّا النَّار)) قال التِّرمِذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وكذا أخرجه الطَّبَرانيُّ مِنْ حديث جماعةٍ عن المَقْبُريِّ.
          وفيها قولٌ ثانٍ: أنَّها خولة بنت ثامرٍ، كذا أخرجه مِنْ حديثها الإسماعيليُّ وأبو نُعَيْمٍ والطَّبَرانيُّ والحُمَيديُّ مِنْ حديث أبي الأسوَد به.
          وعند الجَيَّانيِّ الجمع بينهما حيث قال: خَولة بنت قيس بن فهدٍ الأنْصاريَّة، تُكنى أمَّ محمَّدٍ وهي امرأةُ حمزة بن عبد المطَّلب، ويُقال لها: بنت ثامرٍ، ويُقال: إنَّ ثامرًا لقبٌ لقيسٍ، وقال ابن المَدينيِّ: خَولة بنت قيسٍ هي بنت ثامرٍ، وذكر أبو نُعَيْمٍ قولًا آخر في كنيتها فقال: تُكنى أمَّ محمَّدٍ، ويُقال: أمُّ حَبيبة.
          وصحَّف ابن مَنْدَهْ حَبيبة بصُبيَّة، وتلك غير هذه، تلك جُهَنِيَّةٌ وهذه أنصاريَّةٌ مِنْ أَنفُسِهم، ووقع ذلك للكَلاباذيِّ أيضًا كنَّاها بأمِّ صبيَّة، ولمَّا ذكر الدَّارَقُطْنيُّ في «إلزاماته» البُخَاريَّ خرَّج عن النُّعمان عن خولةَ بنتِ ثامرٍ يرفعه: ((إنَّ رجالًا يتخوَّضون...)) الحديث، قال: لا نعرف خولة بنت ثامرٍ إلَّا في هذا الحديث، ولم يروِ عنها غير النُّعمان، وهذا اللَّفظ يشبه لفظ سَنُوْطَا عن خولة بنت قيس بن فهد امرأةِ حمزة.
          قال الجَيَّانيُّ: وكانت بنت قيسٍ بعد حمزة عند النُّعْمان بن العَجْلان، وقال الدِّمْياطيُّ في حاشية البُخَاريِّ: لعلَّ الأشبه بنتُ ثامرٍ، وقال قبل ذلك: هي خولة بنت قيس بن فهدٍ واسمه خالد بن قيس بن ثعلبة بن عُبيد بن ثعلبة بن غَنْم بن مالك بن النَّجَّار، أمُّها الفُرَيعة بنت زُرارة بن عُدْس بن ثعلبة بن عُبيدٍ، كُنيتها أمُّ محمَّدٍ.
          ثانيها: كانت عند حمزة بن عبد المطَّلب فولدت له عُمارة، لم يدرِك، ثُمَّ خلف عليها بعد حمزة حنظلةُ بن النُّعْمان بن عامر بن العَجْلان بن عمرو بن عامر بن زُرَيقٍ، فولدت له محمَّدًا فكُفيت به، وقيل: خَلف عليها النُّعمان بن عجلان بن النُّعمان بن عامر بن العجلان، وقيل: هي خولة بنت ثامرٍ الأنصاريَّة، ولعلَّه الأشبه، وذكره خلفٌ في مسند خولة بنت قيسٍ، ولعلَّه وهم.
          وقال الدَّارَقُطْنيُّ: لم يروِ عن خولة بنت ثامرٍ سوى النُّعمان بن أبي عيَّاشٍ الزُّرَقيِّ.
          وذكر أبو عمرَ الحديثَ في خولة بنت قيس، عن عُبيدِ سَنُوْطَا، وبنت ثامرٍ عن النُّعمان عنها، وحديثَ أمِّ صُبيَّة: ((اختلفت يدي ويد النَّبيِّ صلعم في إناء واحدٍ في الوضوء)).
          وجمع أبو العبَّاس الطَّرْقيُّ حديث البُخَاريِّ والتِّرمِذيِّ في ترجمة خولة بنت قيسٍ، وفرَّقهما غيره مِنْ أصحاب «الأطراف».
          فصلٌ: غرض البُخَاريِّ في هذا الباب أيضًا الرَّدُّ على مَنْ جعل لرسول الله خُمس الخُمس مِلكًا استدلالًا بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنفال:41] وهو قول الشَّافعيِّ.
          وقال إسماعيل: وقد قيل في الغنائم كلِّها لله وللرَّسول، كما قيل في الخُمس لهما، فكانت الأنفال كلُّها له، بل علم المسلمون أنَّ الأمر فيها مردودٌ إليه فقسمها، وكان فيها كرجلٍ مِنَ المسلمين، بل لعلَّ ما أخذ مِنْ ذلك أقلُّ من حظِّ رجلٍ، بلغنا أنَّه تنفَّلَ سيفَه ذا الفقار يوم بدرٍ، وقيل: جملًا لأبي جهلٍ، وقد علم كلُّ ذي عقلٍ أنَّه لا يُشرك بين الله ورسوله وبين أحدٍ مِنَ النَّاس، وأنَّ ما كان لله ولرسوله فالمعنى فيه واحدٌ، لأنَّ طاعةَ الله طاعةُ رسوله.
          قال المهلَّب: وإنَّما خُصَّ بنسبة الخمس إليه، لأنَّه ليس للغانمين فيه دعوى، وإنَّما هو إلى اجتهاد الإمام، فإنْ رأى رَفْعَه في بيت المال لِما يخشى أن ينزل بالمسلمين رفعَه، أو يجعله فيما يراه وقد يَقسم منه للغانمين، كما أنَّه يعطي مِنَ المغانم لغير الغانمين كما قَسم لجعفرٍ وغيره ممَّن لم يشهد الوقعة، فالخمس / وغيره إلى قسمته صلعم باجتهاده، وليس له في الخمس مِلكٌ ولا يتملَّك مِنَ الدُّنيا إلَّا قدر حاجته، وغيرُ ذلك كلُّه عائدٌ على المسلمين، وهذا معنى تسميته بقاسمٍ، وليس هذه التَّسميةُ بموجبةٍ ألَّا تكون أثرةً في اجتهاده لقومٍ دون قومٍ.
          وقال ابن المنيِّر: وجه مطابقة الأحاديث للآية تحقيقُ أنَّ المراد فيها بذكر الرَّسول إنَّما هو تولِّيه القَسْم لا أنَّه تملَّكه؛ لأنَّه حصر حاله في القسمة بـ(إنَّما) فخرج المِلْكُ.
          فصلٌ: قوله في حديث جابرٍ الثَّاني: فقال النَّبيُّ صلعم: (أحسنت الأنصار، سمُّوا باسمي ولا تكنَّوا بكُنيتي، فإنَّما أنا قاسمٌ) يعني: أحسنتْ في تعزيز نبيِّها وتوقيره مِنْ أن يُشارَك في كنيته، فيدخل عليه العنت عند النِّداء لغيره لتشوُّفِه إلى الدَّاعي، كما عرض له في السُّوق، فنهى عن كنيته وأباح اسمَه للبركة الموجودة منه، ولِما في اسمِه مِنَ الفأل الحسن، لأنَّه مِنْ معنى الحمد ليكون محمودًا مَنْ تسمَّى باسمه، وهذا القول صدر منه أيضًا صلعم فيما رواه أنسٌ أيضًا حين نادى رجلٌ: يا أبا القاسم فالتفت، فقال الرَّجل: لم أعنِك، فقال ذلك.
          فلمَّا كانت هذه الكنية تُؤدِّي إلى عدم التَّوقير والاحترام نهى عنها، يؤيِّده ما نُقل عن اليهود أنَّها كانت تناديه بها، فإذا التفت قالوا: لم نعنِك، فحسم الذَّريعة بالنَّهي.
          فإن قلت: فعلى هذا يمتنع التَّسمية بمحمَّدٍ، وقد فرَّق بينهما فأجازه في الاسم ومنع في الكنية؟ قلتُ: قد قيل به، ثُمَّ لم يكن أحدٌ مِنَ الصَّحابة يجترئ أن يناديَه باسمه إذ الاسم لا توقير بالنِّداء به بخلافها، فإنَّ في النِّداء بها احترامًا وتوقيرًا، وإنَّما كان يناديه باسمه الأعرابُ مَنْ لم يؤمن منهم أو مَنْ لم يرسخ الإيمان في قلبه. وقد قيل: إنَّ النَّهيَ عن ذلك لأنَّ ذلك الاسم لا يصدُق على غيره، وهو قوله: (إنَّما أَنَا قَاسِمٌ) أي الَّذي بيَّن قسم الأموال في المواريث والغنائم وغيرهما عن الله تعالى، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا له، فلا يُطلق هذا الاسم بالحقيقة إلَّا عليه، وعلى هذا فتمتنع التَّكنية بذلك مطلقًا، وهو مذهب بعض السَّلف محمَّدِ بن سِيرِين والشَّافعيِّ وأهل الظَّاهر، سواءٌ كان اسمُه أحمدَ أو محمَّدًا، وهو ظاهر الحديث.
          وثالثها: يحرم على مَنْ كان اسمه محمَّدًا خاصَّةً، فهذه ثلاثة مذاهب، وفي التِّرمِذيِّ مِنْ حديث أبي هريرة ((أنَّ رسول الله صلعم نهى أن يُجمع بين اسمه وكنيته ويُسمَّى محمَّدًا أبا القاسم))، ثُمَّ قال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وعلى هذا فيجوز أن يُكنى بذلك مَنْ ليس اسمُه محمَّدًا، وزادت طائفةٌ أخرى مِنَ السَّلف فرأَوا منع التَّسمية بالقاسم، لئلَّا يُكنى أبوه بأبي القاسم، حكاه القُرْطُبيُّ، وقد غيَّر مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث، فسمَّاه عبد الملك، وكان أوَّلًا اسمه القاسم، وفعلَه بعض الأنصار أيضًا.
          ونقل _أعني القُرْطُبيَّ_ عن جمهور السَّلفِ والخلف وفقهاء الأمصار جوازَ كلِّ ذلك، فليس الجمع والإفراد بناء على أنَّ ما تقدَّم إمَّا منسوخٌ وإمَّا خاصٌّ به، احتجاجًا بحديث عليٍّ في التِّرمِذيِّ مصحَّحًا: يا رسول الله إنْ وُلد لي بعدك غلامٌ أسميه باسمك وأكنِّيه بكنيتك؟ قال: ((نعم)) وحديث عائشةَ في أبي داود: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلعم فقالت: يا رسول الله إنِّي ولدت غلامًا وسمَّيته محمَّدًا وكنَّيته أبا القاسم، فذُكر لي أنَّك تكره ذلك، فقال: ((ما الَّذي أحلَّ اسمي وحرَّم كُنيتي؟!)).
          ويتأيَّد النَّسخُ بأنَّ جماعةً كثيرةً مِنَ السَّلف وغيرهم سمَّوا أولادهم باسمه وكنَّوهم بكنيته جمعًا وتفريقًا، كمحمَّد بن مالك بن أنسٍ، ومحمَّد بن أبي بكرٍ وابن الحنفيَّة وابن طلحة بن عبيد الله، فإنَّهم كلَّهم كنُّوا بذلك، وكأنَّ هذا كان أمرًا معروفًا معمولًا به في المدينة وغيرها، فأحاديث الإباحة إذنْ أولى لأنَّها ناسخةٌ لأحاديث المنع وترجَّحت بالعمل المذكور، وهو مذهب مالكٍ.
          وخالف ابن حَزْمٍ في النَّسخ قال: وإنَّما كان النَّهي للتَّنزيه والإدب لا للتَّحريم، وما قدَّمناه مِنَ المنع مِنَ التَّسمية بمحمَّدٍ شاذٌّ، وإن كان قد رُوي عنه مرفوعًا: ((تسمُّون أولادكم محمَّدًا ثُمَّ تلعنونهم)) فكأنَّه عُرضةٌ لذلك فتسدُّ الذَّرائع، وكتب عمر بن الخَطَّاب إلى أهل الكوفة: لا تسمُّوا أحدًا باسم نبيٍّ، وأمر جماعةً بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمَّين بمحمَّدٍ، حتَّى ذكر له جماعةٌ أنَّه صلعم أذن لهم في ذلك أو سمَّاهم فيه فتركهم، قال القُرْطُبيُّ: وحديث النَّهي غير معروفٍ عند أهل النَّقل، وعلى تسليمه فمقتضاه النَّهي عن لعنِ مسمًّى بمحمَّدٍ لا عن التَّسمية به، والنُّصوص دلَّت على إباحة التَّسمية به، بل قد ورد الحثُّ على التَّرغيب فيه، وإن لم يصحَّ فيه ولا في الإباحة، مع أنَّ أحاديث النَّهي صحيحةٌ.
          وقيل: إنَّ سبب نهيِ عمرَ السَّالف أنَّه سمع رجلًا يقول لابن أخيه محمَّد بن زيد بن الخَطَّاب: فعل الله بك يا محمَّد، فقال: وإنَّ سيِّدنا رسولَ الله يُسبُّ؟! بل والله لا يُدعى محمَّدًا ما بقيت، وسمَّاه عبد الرَّحمن.
          وقد تقرَّر الإجماع على إباحة التَّسمِّي بأسماء الأنبياء إلَّا ما سلف، وسُمِّي جماعةٌ مِنَ الصَّحابة بأسماء الأنبياء، وكره بعض العلماء فيما حكاه عِياضٌ التَّسمِّي بأسماء الملائكة، وهو قول الحارث بن مِسْكينٍ، قال: وكره مالكٌ التَّسمية بجبريل وياسين، ومثله مِيكائيل وإسرافيل ونحوها مِنْ أسماء الملائكة، وعن عمر بن الخَطَّاب أنَّه قال: ما قنعتم بأسماء بني آدم حتَّى سمَّيتم بأسماء الملائكة؟!
          فصلٌ: قوله في حديث جابرٍ أيضًا: (وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ لاَ نَكْنِيكَ أَبَا القَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا) معناه: لا نكرمك، ولا نُقِرُّ عينك به، لقول العرب في الكرامة وحسن القَبول: نَعَمْ ونَعْمَةَ عَيْنٍ، ونَعَامَ عَيْنٍ، فأمَّا النَّعمة فمعناها: التَّنعُّم، ويُقال: كم مِنْ ذي نِعمةٍ لا نَعمةَ له، أي لا مُتْعة له بماله.
          وقوله في حديث معاويةَ: (لا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ) في مسلمٍ: هي طائفةٌ بالمغرب، وقيل غير ذلك.
          وقوله في حديث أبي هريرة: (ما أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ) أي: الله هو المعطي في الحقيقة والمانع، وأنا أعطيكم بقدر ما يُيَسِّرني الله له.
          فصلٌ: ومعنى حديث خَولة في الباب: أنَّ مَنْ أخذ مِنَ المقاسم شيئًا بغير قَسم الرَّسول أو الإمام بعده فقد / تخوَّض في مال الله، أي: تصرَّف فيه وتقحَّم في استحلاله بغير حقٍّ، ويأتي بما غلَّ يوم القيامة.
          ومعنى (فَلَهُم النَّارُ) أي: ويخرجون منها إن كانوا مسلمين.
          وفيه ردعٌ للولاة والأمراء ألَّا يأخذوا مِنْ مال الله شيئًا بغير حقِّه ولا يمنعوه مِنْ أهله.