التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا بعث الإمام رسولًا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له

          ░14▒ باب: إذا بعث الإمام رسولًا في حاجةٍ أو أمره بالمقام هل يُسهَم له؟
          3130- ذكر فيه حديث ابن عمر ☻ قال: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ ابْنَةُ رَسُولِ الله صلعم وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ).
          هذا الحديث راويه عن ابن عمرَ عثمانُ بن مَوْهبٍ. قال الجَيَّانيُّ: كذا ورد هذا الإسناد عند ابن السَّكَن وأبي زيدٍ المَرْوَزيِّ وغيرهما، وفي نسخة أبي محمَّدٍ عن أبي أحمد: عمرو بن عبد الله، هكذا قال: عمرٌو، وصوابه: عثمانُ.
          وقد تكرَّر هذا الحديث في مناقب عثمانَ بجميع الرُّواة [خ¦3699].
          ولعثمانَ ابنٌ يُقال له: عمرو بن عثمانَ، وهو الَّذي سمَّاه شُعبة محمَّدًا.
          قال الدَّاوُديُّ: كان هذا مِنْ خواصِّه ◙، ولعلَّه يريد أنَّ تخلُّفه بسبب ابنته، وإلَّا فمَنْ تخلَّف لمنفعة الجيش ورجع مِنْ عندهم لِما يصلحهم، ثُمَّ غنموا في غيبته فله سهمه، هذا مشهور مذهب مالكٍ.
          وكان الَّذين غابوا في مصلحة الجيش عشرةٌ منهم عثمانُ، فضرب رسول الله لهم، وهذا مِنْ فضائل عثمانَ. وأهل البدع يعيبونه بذلك، وبئس ما صنعوا، وكانت زوجته هذه رقيَّة، توفِّيت ورسول الله صلعم في بدرٍ، ثُمَّ زوَّجه أمَّ كلثوم، فتوفِّيت تحته سنة تسعٍ، وهي الَّتي غسَّلتها أمُّ عطيَّة.
          وحاصل ما للعلماء فيمَنْ لم يشهد الوقعة هل يُسهم له؟ قولان: فعند أبي حَنيفةَ وأصحابه أنَّ مَنْ بعثه الإمام في حاجةٍ حتَّى غنم الإمامُ أنَّه يُسهَم له، وكذلك المدد يلحقون أرض الحرب بعد الغنيمة أنَّهم شركاؤهم فيها، وأخذوا بحديث الباب.
          قالوا: وقد ذكر أهل السِّيَر أنَّ سعيد بن زيدٍ بعثه رسول الله صلعم لحاجةٍ له، وأمر طلحة بالمُقام في مكانٍ ذكره له وأسهم لهما، وقال: ((لكما أجر مَنْ شهد)).
          وعند مالكٍ والثَّوْريِّ واللَّيث والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأبي ثَورٍ أنَّه لا يُسهَم إلَّا لِمَنْ شهد القتال، وبذلك حكم عمرُ وكتب به إلى عمَّاله بالكوفة.
          واحتجَّ لهؤلاء بحديث أبي هريرة ((أنَّه قَدِمَ على رسول الله صلعم وهو بخيبر بعدما فتحوها، فقلت: أسهمْ لي، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تسهم له يا رسول الله)) فذكر الحديث.
          وحجَّة أهل المقالة الأولى أنَّه ◙ قال: ((إنَّ عثمانَ انطلق في حاجةٍ الله ورسوله)) فضرب له بسهمٍ، ولم يضرب لأحدٍ غيرِه، أفلا ترى أنَّه جعله كمَنْ حضر؟! فيُقاس عليه غيره ممَّا في معناه.
          وأمَّا حديث أبي هريرة فوجهُه أنَّه ◙ وجَّه أبانًا إلى نجدٍ قبل أن يتهيَّأ خروجه إلى خَيبرَ، ثُمَّ حدث مِنْ خروج رسول الله صلعم إلى خَيبرَ ما حدَث، فكان ما غاب فيه أبانٌ مِنْ ذلك ليس هو لشغلٍ، شغلَه رسول الله صلعم عن حضوره خَيبرَ بعد إرادته إيَّاها، فيكون كمَنْ حضرها.
          فهذان الحديثان أصلان لكلِّ مَنْ أراد الخروج مع الإمام إلى قتال العدوِّ، فردَّه الإمام عن ذلك بأمرٍ آخر مِنْ أمور المسلمين، فتشاغل به حتَّى غنم الإمام، فهو كمَنْ حضر يُسهَم له، وكلُّ مَنْ تشاغل بشغل نفسه أو بشغل المسلمين فمَنْ كان دخوله متقدِّمًا ثُمَّ حدث للإمام قتال عدوٍّ فتوجَّه له فغَنِمَ، فلا حقَّ للرَّجل في الغنيمة، وهي لِمَنْ حضرها.
          واحتجَّ أهل المقالة الثَّانية فقالوا: إنَّ إعطاء رسول الله صلعم لعثمانَ وهو لم يحضر بدرًا خصوصٌ له، لأنَّ الله تعالى جعل الغنائم لِمَنْ غَنِمَها. والدَّليل على خصوصه قوله ◙ لعثمانَ: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ) وهذا لا سبيل أن يعلمه غير الشَّارع، وقد أسلفناه عن الدَّاوُديِّ أيضًا.
          وذكر الطَّبَريُّ عن قومٍ مِنْ أهل العلم أنَّهم قالوا: إنَّما أعطى عثمانَ يوم بدرٍ مِنْ سهمه ◙ مِنَ الخُمس، واحتجَّوا بقوله ◙ يوم حُنينٍ: ((ما لي ممَّا أفاء الله عليكم إلَّا الخُمس، وهو مردودٌ فيكم)) فدلَّ ذلك أنَّه لم يعطِ أحدًا لم يشهد الوقعة مِنَ الغنيمة، وإنَّما أعطاهم مِنْ نصيبه.