التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: أداء الخمس من الدين

          ░2▒ باب: أداء الخُمس مِنَ الدِّين.
          3095- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ ☻ في وفد عبد القَيس.
          وقد سلف في كتاب: الإيمان أوَّل «الصَّحيح» في باب: أداء الخُمس مِنَ الإيمان [خ¦53].
          وفائدة الجمع بين التَّرجمتين _كما قال ابن المنيِّر_ أنَّا إن قدَّرنا الإيمانُ قولٌ وعملٌ دخل أداء الخُمس في الإيمان. وإن قلنا: إنَّه التَّصديق دخل أداؤه في الدِّين، وهو عندي في لفظ هذا الحديث خارجٌ عن الإيمان داخلٌ في الدِّين، لأنَّه ذكر أربعَ خصالٍ أوَّلُها الصَّلاة وآخرها أداء الخُمس، فدلَّ أنَّه لم يعنِ بالأربع إلَّا هذه الفروعَ.
          وأمَّا الإيمان الَّذي أبدل منه الشَّهادة فخارجٌ عن العدد، ولو جُعل الإيمان بدلًا مِنَ الأربع لاختلَّ الكلام أيضًا، والَّذي خلُص مِنْ ذلك كلِّه إخراج الإيمان مِنَ الأربع، وجعل الشَّهادة بدلًا منه، فكأنَّه قال: آمركم بأربعٍ أصلها الإيمان الَّذي هو الشَّهادة، ثُمَّ استأنف بيان الأربع، كأنَّه قال: والأربع إقام الصَّلاة... إلى آخره.
          وقال المهلَّب: وجه ما ترجم له في الإيمان بيِّنٌ لأنَّه أمرهم بأربعٍ، فبدأ بالإيمان بالله تعالى، وختم بأداء الخمس، فدخل ذلك في جملة الإيمان، وإنَّما لم يأمرهم بالحجِّ لأنَّه لم يُفرض إذنْ، وأمرهم بأداء الخمس لأنَّه لا يكون الخمس إلَّا مِنْ جهادٍ، فأمرُهم بالجهاد داخلٌ في أمرهم بالخُمس وإنَّما قصد إلى أداء الخُمس، لأنَّ كلَّ مَنْ بايع لا يبايع إلَّا على الجهاد.
          وكان وفد عبد القيس أهلَ غاراتٍ، ولم يعرفوا أن يؤدُّوا منها شيئًا، لأنَّهم كانوا مِنْ فُتَّاك العرب، فقصدهم الشَّارع إلى أغلب ما كانوا عليه مِنَ الباطل فذمَّه لهم، ونهاهم عن أشياءَ كلِّها في معنى الانتباذ لأنَّهم كانوا كثيرًا يفعلونه، فقصد لهم إلى الظُّروف الَّتي كانوا يتذرَّعون فيها إلى السُّكر، لانتزاع النَّبيذ إلى السُّكر فيها. ونُسخ ذلك بعد هذا لمَّا آمن منهم أهلُ التَّذرُّع إلى الدُّبَّاء والمُزَفَّت، وسيكون لنا عودةٌ إليه في الأشربة [خ¦5592].
          ومعنى (لَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ) إنَّما قال ذلك لأنَّ كفَّار العرب كانوا لا يقاتلون في الأشهر الحرم، ولا يحملون السِّلاح فيها.
          وفيه مِنَ الفوائد قدوم وفود العرب على رسول الله صلعم، وقدوم بعض أهل العراق ولم تُفتح كما قاله ابن التِّيْنِ، وليُتأمَّلْ.
          وفيه الانتساب إلى الجدِّ الكافر.
          وفيه أنَّ هجرة المُقام بالمدينة لم تكن إلَّا على أهل مكَّة، ومَنْ سواهم لا ينفرون كافَةًّ، ومَنْ نفر منهم كان له الرُّجوع إلى أهله.
          وفيه تعظيم الشَّهر الحرام في الجاهليَّة بما كان عندهم مِنْ بقيَّة دين إبراهيم.
          وفيه أنَّ أداء الخُمس مِنَ الإيمان، وهو أحد الأربع بعد الإيمان كما سَلف [خ¦53]، ولم يَذكر الجهادَ، لأنَّه لم يكن إلَّا على أهل المدينة ومَنْ حولهم مِنَ الأعراب.
          وقوله: (شَهَادَةِ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَعَقَدَهُ بِيَدِهِ) أي: ثنى خِنصره، قاله الدَّاوُديُّ، فإذا ثنى خنصره وعدَّ الإيمان، فهي خمسةٌ بلا شكٍّ.
          و(الدُّبَّاءِ) _بتشديد الباء والمدِّ_ القَرْعُ، الواحدة دُبَّاءةٌ.
          (وَالنَّقِيرِ) أصل النَّخلة، يُنقر جوفها ثُمَّ يُشدخ فيه الرُّطَب والبُسْر، ثُمَّ يدَعونه حتَّى يُهدَر ثُمَّ يموت، وقال الدَّاوُديُّ: هو الخشبة تُنقر فيُتَّخذ منها وعاءٌ.
          (وَالْحَنْتَمِ) الفخَّار أو المطليُّ منه أو بالأخضر، قال أبو عُبيدة: جِرارٌ خُضرٌ كانت تُحمل إلى المدينة فيها الخمر، وقال ابن فارسٍ: وكلُّ أسودَ حَنْتَم، والخُضر عند العرب سودٌ.
          (وَالْمُزَفَّتِ) المطليُّ بالزِّفت، وهذا كلُّه سلف واضحًا [خ¦53] وأعدناه مختصرًا لطول العهد به.