التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: أحلت لكم الغنائم

          ░8▒ باب: قول النَّبيِّ صلعم: ((أُحِلَّتْ لَكُم الْغَنَائِم)).
          وقال الله ╡: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح:20] وَهِيَ لِلْعَامَّةِ حتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ صلعم.
          3119- ذكر في الباب حديث عُروة البارِقيِّ: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ).
          3120- وحديثَ أبي هريرة: (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى...)، وقد سلفا [خ¦2852] [خ¦3027].
          3121- ثُمَّ قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ☺ بمثل حديث أبي هريرة؛ ويأتي في علامات النُّبوَّة والأيمان والنُّذور [خ¦3619] [خ¦6629]، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وإسحاق هذا قال الجَيَّانيُّ: لم أجده منسوبًا لأحدٍ، ونسبه أبو نُعَيْمٍ: إسحاق بن إبراهيم.
          3122- ثُمَّ ذكر حديث يزيدَ الفقير _وهو مِنْ فَقار الظَّهر لا مِنَ المال_ عن جابرٍ مرفوعًا: (أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ) وقد سلف في التَّيمُّم مطوَّلًا [خ¦335].
          3123- ثمَّ ذكر حديث أبي هريرة ☺: (تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ...) الحديث، وقد سلف في باب: أفضلُ النَّاس مؤمنٌ يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله [خ¦2787].
          3124- ثُمَّ ذكر حديث أبي هريرة أيضًا: (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ...) الحديث، وقد سلف في موضعٍ أشار إليه البُخَاريُّ في الجهاد في باب: مَنِ اختار الغزو بعد البناء [خ¦56/115-4637]، وقال: فيه أبو هريرة عن النَّبيِّ صلعم، والبُخَاريُّ رواه عن محمَّد بن العلاء: حدَّثنا ابن المبارك عن مَعمرٍ عن همَّام بن مُنبِّهٍ عن أبي هريرة وسيأتي في النِّكاح [خ¦5157]، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، ولمَّا ذكره أبو نُعَيْمٍ في «مستخرَجه» قال: رواه البُخَاريُّ عن أبي كُرَيبٍ عن عبد الله بن المبارك _أو غيره_ عن مَعمرٍ، ولم أرَه هكذا، وسيأتي في التَّوحيد عن عبد الله بن يوسف عن مالكٍ.
          فصلٌ: ذكر ابن إسحاق هذا النَّبيَّ يُوشَعَ بنَ النُون، قال: ولم تُحبس الشَّمس إلَّا له ولنبيِّنا صبيحة الإسراء حين انتظروا العِير الَّتي أخبر بقدومها عند شروق الشَّمس ذلك اليوم.
          قلت: قد وقع ذلك لنبيِّنا مرَّةً أخرى غيرَ هذه، في الخندق حين شُغل عن صلاة العصر حتَّى غابت الشَّمس فصلَّاها، ذكره عِياضٌ في «إكماله»، وقال الطَّحَاويُّ: رواته ثقاتٌ.
          ووقع لموسى صلعم تأخير طلوع الفجر، روى ابن إسحاقَ في «المبتدأ» مِنْ حديث يحيى بن عُروة عن أبيه أنَّ الله ╡ حين أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمرَه بحمل تابوت يوسف صلعم، فلم يُدلَّ عليه حتَّى كاد الفجر يطلُع، وكان قد وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلَع الفجر، فدعا ربَّه أن يؤخِّر طلوعها حتَّى يفرغ مِنْ أمر يوسف، ففعل الله ╡ ذلك، وبنحوه ذكر الضَّحَّاك في «تفسيره الكبير».
          وروى الطَّبَرانيُّ في «أوسط معاجمه» مِنْ حديث مَعْقِل بن عُبَيد الله عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ أنَّ رسول الله صلعم أمر الشَّمس فتأخَّرت ساعةً مِنْ نهارٍ، قال: لم يروِه عن مَعقلٍ إلَّا الوليدُ بن عبد الواحد التَّميميُّ، تفرَّد به أحمد بن عبد الرَّحمن بن الفضل الحرَّانيُّ، ولم يروِه عن أبي الزُّبَير إلَّا مَعقلٌ.
          قلت: فيجوز أن يحمل على إحدى الحالتينِ السَّالفتين أو على حالةٍ ثالثةٍ.
          قلت: وقد وقع ذلك لبعض أمَّته، وهو الإمام عليٌّ ☺، أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عُمَيسٍ أنَّه صلعم نام على فخذ عليٍّ حتَّى غابت الشَّمس، فلما استيقظ قال عليٌّ: يا رسول الله، إنِّي لم أصلِّ العصرَ، فقال صلعم: ((اللَّهمَّ إنَّ عبدك عليًّا احتبس بنفسه على نبيِّك فرُدَّ عليه شرقها)).
          قالت أسماء: فطلعت الشَّمس حتَّى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثُمَّ قام عليٌّ فتوضَّأ وصلَّى العصر، وذلك بالصَّهباء.
          وذكره أبو جعفرٍ في «مشكله» وقال: كان أحمد بن صالحٍ يقول: لا ينبغي لِمَنْ سبيله العلم أن يتخلَّف عن حفظ حديث أسماء، لأنَّه مِنْ أجلِّ علامات النُّبوَّة، قال: وهو حديثٌ متَّصلٌ، وفي آخرَ: رواته ثقاتٌ، وأمَّا ابن الجَوزيِّ فأعلَّه مِنْ طريقٍ آخر، وأعلَّه ابن تَيميَة بأنَّ أسماء كانت مع زوجها بالحَبشة، لكنْ جعفرٌ قدم خَيبرَ على رسول الله صلعم وقسم له ولأصحابه وهم بخَيبرَ.
          وروى الخطيب في كتابه «ذمُّ النُّجوم» بإسنادٍ فيه ضعفٌ عن عليٍّ أنَّ يُوشَعَ بنَ نُونٍ قال له قومه: إنَّا لن نؤمن بك حتَّى تعلِّمنا بدء الخلق وآجاله، فأوحى الله إلى غَمامةٍ فأمطرتهم واستنقع على الجبل ماؤها، ثُمَّ أوحى الله إلى الشَّمس والقمر والنُّجوم أن تجري في ذلك الماء فأراهم بدء الخلق وآجاله مجاري الشَّمس والقمر والسَّاعات، فكان أحدهم يعلم متى يموت ومتى يمرض فبقوا كذلك برهةً، ثُمَّ إنَّ داود ◙ قاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى داود في القتال مَنْ لم يحضر أجله، فكان يُقتل مِنْ أصحاب داود ولا يُقتل منهم أحدٌ، فدعا اللهَ داودُ فحُبست الشَّمس عليهم فزِيد في النَّهار، فاختلطت الزِّيادة باللَّيل والنَّهار فلم يعرفوا قدر الزِّيادة، فاختلط عليهم حسابهم.
          قلت: فإذنْ هؤلاء ثلاثةٌ: نبيُّنا ويُوشعُ بن نونٍ وداود، ومِنْ أصحابه عليٌّ، ووقع في كلام ابن التِّيْنِ أنَّه ذكر أنَّه يعني هذا النَّبيَّ يوشع فتى موسى وهو الرَّجل المؤمن الَّذي كان يكتم إيمانه، وهو غريبٌ.
          فصلٌ: قوله للشَّمس: (إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ) هو دعاءٌ إلى الله أن يمدَّ لهم الوقت حتَّى يفتحوا المدينة.
          وقيل في قوله: (احْبِسْهَا عَلَيْنَا) أقوالٌ: أحدها: أنَّها رُدَّت على أدراجها، وقيل: أُوقفت فلم تبرح، وقيل: بُطِّئ بجريها وسيرها، وهو أوفى الأقوال كما قاله ابن بَطَّالٍ، لجريها على العادة وإن كان خرق العادات للأنبياء جائزًا، فكلُّ الوجوه جائزةٌ.
          وفي قوله: (إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ) دليلٌ في اليَوم وأصل العبادة على ضيق وقت العمل الَّذي الرَّأي فيه في اليقظة وفواتِ وقته، فيكون تنبيهًا على الأخذ بالحزْم.
          وفيه أنَّ الأنبياء قد يحكمون في الآيات المعجزات بآياتٍ يظهرها الله تعالى على أيديهم، شهادةً على ما التبس مِنْ أمر الحُكم، وقد يحكمون أيضًا بحكمٍ لا يكون معجزةً، ويكون النَّبيُّ وغيره مِنَ الحكام سواءً، ويكون اجتهادهم على حسب ما يتأدَّى إليهم مِنْ مقالة الخصمين، فذلك إنَّما هو ليكون سنَّةً / لِمَنْ بعدهم.
          وفيه أنَّ قتال آخر النَّهار إذا هبَّت رياح النَّصر أفضل كما كان ◙ يفعل.
          فصلٌ: الآية الَّتي بدأ بها البُخَاريُّ ☼ نزلت عام الحُدَيبيَة، فكانت الَّتي عجَّلت لهم خيبرَ فقسمها بين أهل الحُديبيَة، مَنْ شهد منهم خَيبرَ ومَنْ غاب عنها، ولم يَقسم معهم لغيرهم إلَّا اثني عشر رجلًا قدموا مع جعفرٍ مِنْ أرض الحبشة، وكان أهل الحُديبيَة ألفًا وأربع مئةٍ، وكان معهم مئتا فرس فقُسمت على ألفٍ وثمان مئةٍ، قال مالكٌ _فيما نقله الشَّيخ أبو محمَّدٍ عنه_: كانت خيبرُ على سنة ستٍّ مِنَ الهجرة.
          قالوا: ولم يخرج إليها إلَّا أهلُ الحُدَيبية إلَّا رجلٌ مِنْ بني حارثة أذن له، وخرج في المحرَّم ففتح حصونهم، وهي الَّتي وعده الله بها بالحُدَيبِيَة في قوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح:21].
          وقال ابن بَطَّالٍ: المخاطب بهذه الآية أهل الحُدَيبية خاصَّةً ووعدهم الله بها، فلمَّا انصرفوا مِنَ الحُديبية فتحوا خيبر، وهي المعجَّلة، والمذكور في التَّفسير أنَّ خيبر هي الَّتي عُجِّلت لهم كما أسلفنا.
          واختلفوا في قوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح:21] فقال ابن أبي ليلى: هي فارسُ والرُّوم، وقال قَتَادة: هو فتح مكَّة، وقال مجاهدٌ: هو ما يكون بعدُ إلى يوم القيامة، وقال ابن أبي ليلى في قوله تعالى: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18] يعني: خيبرَ.
          وقال مروان والمِسْوَر: انصرف رسول الله صلعم مِنَ الحُدَيبيَة، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكَّة والمدينة، فأعطاه الله فيها خيبرَ، فقَدِم المدينة مِنْ ذي الحِجَّة وسار إلى خيبرَ في المحرَّم، وقوله تعالى: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح:20] وعيالكم بالمدينة حين ساروا إلى الحُديبيَة وإلى خيبَر.
          فصلٌ: قوله (فَهِيَ لِلْعَامَّةِ) يعني: لجميع النَّاس حتَّى يبين الشَّارع مَنْ يستحقُّها وكيف تُقسم، وقد بيَّن الله تعالى بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال:41].
          فصلٌ: قوله في كسرى وقيصرَ: (لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ) لعلَّه أراد ما كان في زمن عمرَ وغيره أنَّه أتى بالأموال فصبَّها في المسجد، فأْتَلقت التِّيجان لمَّا أصابتها الشَّمس فبكى عمرُ، فقال له ابن عوفٍ: ليس هذا حين بكاءٍ إنَّما هذا حينُ شكرٍ، فقال عمر: إنِّي أقول: ما فتح الله هذا على قومٍ قطُّ إلَّا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم، فكان كما قال. وكان مِنْ ذلك السَّفَطان اللَّذان أُتي بهما مِنْ كنزِ النَّخِيْرْجان فرأى الملائكة تدفع في صدره عنهما، فردَّهما إلى حيث أَتيا منه، وأمر أن يُجعلا في أرزاق المقاتِلة، فبيعا بمئتي ألف درهمٍ.
          ولمَّا فتح عمرٌو مصر أتى رجلٌ مِنْ عظماء أهلها، فسجنه وأدخل معه السِّجن رجلًا، وقال له: اعرفْ ما يلهجُ به، فقال له: هو يلهجُ براهبٍ بموضع كذا، فجعل عمرٌو مَنْ يكتب بكتابهم، وأرسل إليه خاتمه، فختم به الكتاب وكتب على لسان الكافر إلى الرَّاهب: إذا أتاك كتابي فادفع إلى فلان الوديعة الَّتي عندك، فدفع الرَّاهب إلى الرَّسول قُمْقُمًا مختومًا، فأُتي به عَمرٌو ففتحَه فإذا فيه كتابٌ: يا بَنيَّ إذا أردتم أخذ مالكم فاحفروا الفَسْقِيَّة الَّتي بموضع كذا، كذا ذراعًا مِنْ جانب كذا، فأرسل عمرٌو منَّا فأخرجوا خمسين إِرْدَبًّا دنانير.
          فصلٌ: قوله: (وأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ) هي مِنْ خصائصه، فلم تحلَّ لأحدٍ غيره وغيرِ أمَّته، وكانت المغانم للأنبياء المتقدِّمين يجمعونها في برِّيَّةٍ فتأتي نارٌ مِنَ السَّماء فتحرقها، فإن كان فيها غلولٌ أو ما لا يحلُّ لم تأكلها، وكذلك كانوا يفعلون في قُربانهم، كان المتقبَّل تأكلُه النَّار، وما لا يُتقبَّل يبقى على حاله ولا تأكله، ففضَّل الله هذه الأمَّة وجعلها خيرَ أمَّةٍ أُخرجت للنَّاس، فيجاهدون سائر الخلق، وأعطاهم ما لم يُعطِ غيرَهم، جعل أناجيلهم في صدورهم، وجعل لهم الاستغفار، وكان مَنْ قبلهم إذا أذنب أحدهم أصبح مكتوبًا على بابه: أذنب فلانٌ ذنب كذا، وأُعْطِيَت الاسترجاعَ عند المصائب، وجعلهم ظاهرين إلى يوم القيامة، وجعلهم أكثر الأمم.
          وأكل النَّار للمغانم لتخلص نيَّةُ الغازي كي لا يكون قتالهم لأجل الغنيمة، وأُبيحت الغنائم لهذه الأمَّة، لأنَّ الإخلاص غالبٌ عليها فلم تحتجْ إلى باعثٍ آخر، نبَّه على هذا ابن الجَوْزيِّ.
          فصلٌ: ودعاء هذا النَّبيِّ قومَه للمبايعة بمصافحة أيديهم اختبارٌ منه للقبيل الَّذي فيهم الغلول مِنْ أجل ظهور هذه الآية، وهي لصوق يد المبايع بيد النَّبيِّ.
          وفيه دليلٌ على تجديد البيعة إذا احتيج إلى ذلك لأمرٍ يقع، وقد فعل ذلك الشَّارع تحت الشَّجرة.
          وفيه جواز إحراق أموال المشركين وما غُنم منها.
          وأمرُه أن يتبعه مَنْ لم يتزوَّج فيه دلالةٌ أنَّ فتن الدُّنيا تدعو النَّفس إلى الهلع وتُخيِّبُها، لأنَّ مَنْ ملك بضع امرأةٍ ولم يبنِ بها، أو بنى بها وكان على طراوةٍ منها فإنَّ قلبه متعلِّقٌ بالرُّجوع إليها، ويشغله الشَّيطان عمَّا هو فيه مِنَ الطَّاعة فيرمي في قلبه الجزع، وكذلك ما في الدُّنيا مِنْ متاعها وفتنتها، فأراد أن تصفوَ القلوب للأعمال ولا تتحدَّث بسرعة الرُّجوع، فأصحاب هذه الأحوال متعلِّقوا القلوب بها فتضعف عزائمُهم، وتفترُ رغباتهم في الجهاد والشَّهادة، وربَّما يفرِّط ذلك التَّعلُّق بصاحبه فيفضي به إلى كراهة الجهاد وأعمال الخير، والهمم إذا تفرَّقت ضَعُفَ فعلُ الجوارح، وإذا اجتمعت قوِيت.
          فصلٌ: (رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ) قال ابن التَّيَّانيِّ في «الموعَب»: البُضع اسم المباضَعة، وهو الجِماع، وجعل تأبَّط شرًا البُضْع: المباشرة، وقيل: إنَّه مهر المثل، والبِضاع _بالكسر_: الجِماع.
          وعن أبي زيدٍ: المُباضَعة: النِّكاح، وقد بَضَعَها بَضْعًا، والاسم: البَضْعُ، وهو الِجماع، والبِضْعُ: ملك الولي للمرأة، وبُضْعُها بيد زوجها، وهو الطَّلاق، وكذلك البَضيع، وقال الأَزهَريُّ: اختلف النَّاس في البُضْع فقال قومٌ: هو الفرْج وقال قومٌ: هو الجِماع، وعن الأصمعيِّ: ملك فلانٌ بُضْع فلانةٍ إذا ملك عقدة نِكاحها، وهو كنايةٌ عن موضع الغَشَيان.
          وقال صاحب «الواعي»: الاستبضاع: نوعٌ مِنْ نكاح الجاهليَّة، كان الرَّجل منهم يقول لامرأته إذا طهُرت: أرسلي إلى فلانٍ استبضِعي منه، ويعتزلها زوجُها حتَّى يتبيَّنَ حملُها مِنْ ذلك الرَّجل، ثُمَّ يجامعها بعدُ إن أراد، يريد بذلك / نجابة الولد بها.
          وقوله: (أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا) خَلِفَاتٌ جمعُ خَلِفةٍ، قال ابن فارسٍ: الخَلِفَة: النَّاقة الحامل، والجمع: مَخَاضٌ. وقال ابن سِيدَهْ: هي النَّاقة الحامل، وجمعها خَلِفٌ وقيل جمعها مخاضٌ على غير قياسٍ، كما قالوا لواحدة النِّساء: امرأة، وقيل: هي الَّتي استكملت سنةً بعد النَّتاج، ثُمَّ حُمل عليها فلَقِحَت. وقال ابن الأعرابيِّ: إذا استبان حملُها فهي خَلِفَةٌ حتَّى تُعْشِر، وخَلِفَت النَّاقةُ خَلَفًا، هذه عن اللِّحْيانيِّ، وقيل: المُخْلِفَة: الَّتي تُوهِم أنَّ بها حملًا ثُمَّ لم تَلْقَح. وقال في «المخصَّص» عن الأصمعيِّ: ناقةٌ عاقِدٌ: تَعْقِدُ بِذَنَبِها عند اللِّقاح، فإذا ثبت اللِّقاح _وهو حملُها_ فهي خَلِفةٌ، والجمع: المَخَاض.
          وقال ابن دُرَيدٍ: المَخاض والمِخاض، وقال صاحب «العين»: جمعها خَلِفَاتٌ، قال الأصمعيُّ: فلا تزال خَلِفةً حتَّى تبلغ عشرة أشهرٍ، وهذا خلاف ما حكاه صاحب «المحكَم» فيما مضى.
          وقال الجَوهريُّ: الخَلِف _بكسر اللَّام_ المَخاض مِنَ النُّوق، الواحدة: خَلِفةٌ، وقال في «المغيث»: يُقال خَلَفت إذا حملتْ، وأخلَفت إذا حالتْ ولم تحمل.