التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا تسارع قوم في اليمين

          ░24▒ (بَابُ إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي اليَمِينِ)
          2674- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ اليَمِينَ، فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي اليَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ).
          هذا الحديثُ لمَّا رواه أبو نُعيم عن أبي أحمدَ: حدَّثنا ابن شِيرَوَيْهِ، حدَّثنا إسحاقُ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، وذكرَه بلفظِ البخاري قال: وَهَم شيخُنا في لفظ الحديث، والذي حدَّثهم ابن شِيْرَوَيْهِ عن إسحاقَ يخالف هذا الحديث، فإنِّي رأيتُ في أصل كتاب إسحاقَ: إذا أُكرِهَ اثنان على اليمين فاستحبَّاها فليَسْتَهِمَا عليه، وعند أبي داودَ مِن حديث قَتَادة، عن خِلَاسٍ، عن أبي رافِعٍ، عن أبي هريرةَ، وفيه: فقَالَ ◙: ((اسْتَهِما على اليَمِينِ ما كانَ، أَحَبَّا ذَلِكَ أَو كَرِهَا))، وفي حديثِ مَعْمَرٍ عن هَمَّامٍ: ((إذا كَرِهَ الاثْنَانِ اليمينَ، أَوِ اسْتحبَّاها يَسْتَهمانِ عليها))، وفي لفظٍ: ((إذا أُكْرِهَ الاثنانِ عَلَى اليَمِينِ))، وفي لفظٍ: رَجُلَينِ اختصَمَا في دَابَّةٍ وَلَيْسَتْ لهما بيِّنَةٌ فأَمَرَهُما أَنْ يَسْتَهِمَا على اليَمِينِ. وللنَّسائيِّ مِن حديث قَتَادةَ عن خِلَاسٍ: أنَّ رجلين تَدَارَيا في بَيعٍ ولَيسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنةٌ، وفي حديث مَعمَرٍ عن همَّامٍ: عُرِض على قومٍ اليمينُ فأسرعَ الفريقان جميعًا على اليمين، فأَمر بأن يُسْهِم بينهم في اليمين أيُّهم يَحلِفُ، وللإسماعيليِّ مِن حديث الحسن بن يحيى وغيرِه، عن عبد الرزَّاق: إذا أُكره الاثنان على اليمين فاستحبَّاها أُقرِعَ بينهما، وفي لفظٍ: إذا أُكْرِه الاثنان على اليمين أو استحبَّاها فليستَهِمَا عليها، قال الإسماعيليُّ: الصحيحُ: أو استحبَّاها.
          قال الخطَّابي: إنَّما يفعل هذا إذا تساوت درجاتهم في أسباب الاستحقاق، مثل أن يكونَ الشيء في يد اثنين كلُّ واحدٍ منهما يدَّعيه كُلَّه، فيُريدُ أحدُهما أن يحلفَ عليه ويستحقه، ويريدُ الآخر مثل ذلك، فيُقرع بينهما، فمَن خرجت لَهُ القُرعة حلف واستحقَّه، وقَالَ الدَّاودِيُّ في حديث آخر: أقرعَ بينهم أيُّهم يحلفُ أولًا، وهذا حديثٌ لم يؤتَ فيه على جميع القِصَّة؛ لأنَّ الناس إنما يأبى بعضُهم أن يحلفَ أولا، فإن كان المحفوظ أنَّهُ إنما أمر باليمين أحدَهم، فلعلَّ هذا كان الحكم قبل أن يؤمر بالشاهد ويمين المدَّعي، قال: والحديث مُشْكِل المعنى.
          وقولُ أبي سُليمان فيمَن يتداعيان شيئًا فيقرعان أيُّهما يحلف ويستحقُّهُ جميعَه، قال ابنُ التِّين: ليس هذا الحُكم، وإنما هو أن يتحالفا ويقسماه نصفين، إن ادَّعى كلُّ واحدٍ منهما جميعَه.
          وقال ابن بطَّال: إنَّما كره الشارعُ تسارعَهم في اليمين _والله أعلم_ لئلَّا تقع أيمانُهم معًا فلا يستوفي الذي له الحقُّ أيمانَهم على معنى دعواه، ومِن حقِّه أن يستوفي يمينَ كلِّ واحد منهم على حدته، وإذا استوى قومٌ في حقٍّ مِن الحقوق لم يبدأ أحدٌ منهم قبلَ صاحبه في أخذ ما يأخذ أو دفع ما يدفع عن نفسه إلَّا بالقُرعة، والقُرعة سُنَّةٌ في مثل هذا، أَلَا ترى أنَّهُ ◙ أقرعَ بين نسائه عند سفره، وكُنَّ قد استوينَ في الحُرمَةِ والعِصمَةِ، ولم تكن واحدةٌ أولى بالسفر مِن صاحبتها.