التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة؟قبل اليمين

          ░19▒ (بَابُ سُؤَالِ الحَاكِمِ المُدَّعِيَ: هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ قَبْلَ اليَمِينِ؟)
          2666- 2667- ذكر فيه حديثَ عبد الله بن مسعودٍ في الحَلْفِ على اليمينِ الفاجرةِ، وقد سلف في الشركة، وشيخُ البخاريِّ فيه (مُحَمَّدٌ) _عن أبي معاوية_ هو ابنُ سَلَامٍ، صرَّح به في «الأطراف»، قال الجَيَّانِيُّ: وكذا نسبه أبو عليِّ بنِ السَّكَنِ، قلتُ: ورواه الإسماعيلي: عن القاسم عن أبي كُرَيبٍ محمد بن العلاء عن أبي معاوية، فيجوز أن يكون هو.
          وإنَّما يلزمُ الحاكمَ أن يسأل المدَّعي: ألكَ بَيِّنة؟ للاتباع، ولأنَّهُ جعل البِّينةَ على المدَّعي، وأجمعت الأُمَّة على القول بذلك وأنَّهُ لا يقبل دعوى أحدٍ على أحدٍ دون بيِّنة، وقَالَ الْمُهَلَّبُ: معنى سؤالِها قبلَ اليمين خوفًا أن يحلفَ له المطلوبُ ثمَّ يأتي بعد ذلك المدَّعي ببيِّنةٍ، فيأخذ منه حقَّه فيكذبَ في يمينه فيستحقَّ بها العقاب، إن شاء أنفذ عليه الوعيد، ثمَّ يؤخذ المال منه فهو له كالظلم، فإذا سأله: هل لك بيِّنة؟ فقال: لا، لم يكن له الرجوع عليه ببيِّنة إلَّا أن يحلف أنَّهُ ما علم بها يوم قال: لا.
          وسيأتي اختلافُ العلماء في هذِه المسألة بعدُ إن شاء الله تعالى.
          واختلف العلماءُ في المدَّعِي يثبتُ البيَّنة على ما يدَّعيه: هل للحاكم أن يستحلفه مع بينته أم لا؟ فكان شُريحٌ وإبراهيم النَّخَعيُّ يريان أن يُستحلف مع بينته أنَّها شهدت بحقٍّ، وقد روى ابن أبي ليلى عن الحكم عن حَنَشٍ: أنَّ عليًّا استحلفَ عُبيد الله بن الحُرِّ مع بيِّنته، وهو قول الأوزاعيِّ والحسن بن حَيٍّ، وقال إسحاقُ: إذا استرابَ الحاكمُ أوجب ذلك، وذهب مالك والكوفيُّون والشافعي وأحمد إلى أنَّهُ لا يمينَ عليه، والحُجَّة لهم حديثُ الباب مِن حيث أنَّهُ ◙ لم يقل للأشعث: وتحلف مع البيِّنة، فلم يوجب على المدَّعِي غيرَ البيِّنة، وأيضًا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية [النور:4]، فأبرأه الله مِنَ الجلد بإقامةِ أربعة شهداء مِن غير يمين.
          فائدة: قوله: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) أي بيمين، والفَاجِرُ الكاذبُ، وأصلُ الفجورِ الميلُ عن القصد، وقيل: الانبعاث في المعاصي، وهو بمعناه.
          وقولُه: (لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) خصَّ المسلمَ لأنَّهُ أكثر مَن يُعَامِل، وإلَّا فلا فرقَ.
          وقولُه: (فَجَحَدَنِي) فيه أنَّ الخصمَ يتكلَّم في خصمِه فيما هو مِن شأن الخصوم، ولا يُعَاقِبَ فيقول: ظلمني وأخذ متاعي ونحوه.