التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في البينة على المدعي

          ░1▒ (بَابُ مَا جَاءَ فِي البَيِّنَةِ عَلَى المُدَّعِي)
          لِقَوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...} إلى قولِه: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:282]. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ...} إلى قولِه: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135]).
          معنى ({تَدَايَنْتُمْ} [البقرة:282]) تعاملتم.
          ({فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]) أمرُ ندبٍ، وقيل: فرضٌ.
          ({وَلْيَكْتُبْ} [البقرة:282]) هو فرض كفاية عَلَى الكاتب، أو واجبٌ في حال فراغِه، أو ندبٌ، أو فَرْضٌ نسخ بقولِه: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ} [البقرة:282] أقوالٌ.
          ({وَلَا يَبْخَسْ} [البقرة:282]) لا ينقص.
          ({سَفِيهًا} [البقرة:282]) لا يعرف الصَّواب في إملاء ما عليْه أو الطِّفلَ أو المرأةَ والصَّبيَّ أو المبذِّرَ لمالِه المفسدَ لدينِه أو ضعيفًا أحمقَ أو عاجز عن الإملاء لعُياءٍ أو خرسٍ.
          ({أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [البقرة:282]) لعيِّهِ وخرسِه أو لجنونِه أو لحبسِه أو غيبتِه.
          ({وَلِيُّهُ} [البقرة:282]) وليُّ الحقِّ أو وليُّ مَنْ عليه الدَّينُ.
          ({وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة:282]) ندبٌ أو فرضُ كفايةٍ.
          ({تَرْضَوْنَ} [البقرة:282]) الأحرار المسلمون العدول، أو المسلمون العدول، وإن كانوا أرقَّاء.
          ({فَتُذَكِّرَ} [البقرة:282]) مِنَ الذِّكر، أو يجعلها كذَكرٍ مِنَ الرِّجال.
          ({دُعُوا} [البقرة:282]) لعملِها أو كتابتِها أو لأدائِها أو لَهما، وذَلِكَ نَدْبٌ أو فرض كفايةٍ أو عينٍ.
          ({وَلَا تَسْأَمُوا} [البقرة:282]) لا تملُّوا.
          ({صَغِيرًا} [البقرة:282]) لا يراد بِه التَّافه الحقير كالدَّانق بخروجِه عن العرف.
          ({أَقْسَطُ} [البقرة:282]) أعدلُ وأقوَمُ وأصحُّ، مِنَ الاستقامة.
          ({وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:282]) فرضٌ أو ندبٌ.
          ({وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ} [البقرة:282]) بأن يكتب ما لم يُملَى عليْه ولا يشهد الشَّاهد بما لم يستشهد، ويمنع الكاتب أن يكتب والشَّاهد أن يشهد، أو يدَّعيان وهما مشغولان.
          ({فُسُوقٌ} [البقرة:282]) معصيةٌ أو كذبٌ.
          وأمَّا الآية الثَّانية: فـ({القِسْطِ} [النساء:135]) العدل.
          ({شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:135]) بالحقِّ ولو عَلَى أنفسكم بالإقرار.
          ({فَلَا تَتَّبِعُوا الهَوَى} [النساء:135]) اختصم إلى رَسُول الله صلعم غنيٌّ وفقيرٌ، فكان صلعم مع الفقير، يرى أنَّ الفقير لا يظلم الغنيَّ فنزلت، أو نزلت في الشَّهادة لَهم وعليْهم.
          ({وَإِنْ تَلْوُوا} [النساء:135]) أمور النَّاس تتركوا خطاب الولاة والحكَّام. ({تَلْوُوا} [النساء:135]) مِنْ ليِّ اللسانِ بالشَّهادة، فيكون الخطاب للشُّهود أو للمنافقين.
          قال إسماعيل: ظاهر قولِه تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذي عَلَيْهِ الحَقُّ} [البقرة:282] يدلُّ أنَّ القولَ قولُ مَنْ عليْه الشَّيءُ.
          قال غيره: لأنَّ الله تعالى / حين أمرَه بالإملاء اقتضى تصديقَه فيمَا يمليْه، فإذا كان مصدَّقًا فالبيِّنةُ عَلَى مدِّعي تكذيبِه.
          وأمَّا الآية الأخرى: فوجه الدِّلالة منْها أنَّ الله قد أخذ عليه أن يُقرَّ بالحقِّ عَلَى نفسه وأقربائِه لِمَن ادَّعاه عليهم، فدلَّ أنَّ القول قول المدَّعى علَيه، فإن أكْذَبَه المدَّعى كان عَلَى المدَّعي إقامة البيِّنة، والإجماع قائمٌ عَلَى ذلك أنَّ البيِّنة عَلَى المدِّعي واليمين عَلَى المدَّعى عليه في الأموال، إلَّا ما خُصَّت به القَسَامة.
          وسيأتي مِنْ حديث ابن عبَّاسٍ [خ¦4552] ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَن ادُّعيَ عَلَيهِ)) وهو مِنَ المتَّفقُ عليه.
          واختلفوا في صفة يمين المدَّعى عليه في الحدود والنِّكاح والطَّلاق والعتق عَلَى ما يأتي بعد هذا في بابِه إن شاء الله.
          قال ابن المنيِّر: وجه الاستدلال بالآي عَلَى التَّرجمة أنَّ المدَّعيَ لو كان مصدَّقًا بلا بيِّنةٍ لم تكن حاجةٌ إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق وإملائِها، فالإرشاد عَلَى ذلك يدلُّ عَلَى إيجاب البيِّنة.