التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تعديل كم يجوز

          ░6▒ (بَابُ تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ؟)
          2642- ذكر حديثَ أنسٍ: (مُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ...) الحديث.
          2643- وحديثَ عمر: (أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ...) الحديث.
          وقد سلفا في الجنائز في باب ثناء النَّاس عَلَى الميِّتِ [خ¦1367] و [خ¦1368].
          ومعنى: (مَوْتًا ذَرِيعًا) كثيرًا.
          وقولُه: (فأُثْنِي شَرًّا) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّما جاز هذا في الموتى أنْ تُذْكَر مساوئُهم، لقوله ◙: ((مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ)) قال تعالى: {لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] فكان هؤلاء ممَّن ظَلَمَ، قال: ولا يكون بقرب موتِه، ولا يبتغِ إلَّا ذلك، فيدخل في الحديث الآخر في سبِّ الموتى، وقيل: كان هذا الميِّت مجاهِرًا، وقيل: إنَّه ليس بمخالِفٍ لحديث: ((نكِّبوا حتَّى ذي قبر)) لأنَّهُ لم يُقبَر بعدُ.
          ومعنى: (وَجَبَتْ) أي الجنَّةُ وكذا النَّار، إلَّا أن يَغفر الله.
          وهذا في ثناء العدول إذا أراد الله بأحدٍ خيرًا أو سوءًا يقيِّض له مَنْ يشهد بذلك مِنَ الصَّالحين عند موتِه، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في عدد مَنْ يجوز تعديلُه.
          وحديث عمر حُجَّةٌ لِمَنْ عدَّد، واحتجَّ الطَّحاويُّ لذلك، فقال: لمَّا لم ينفذ الحكمُ إلَّا برجلين، فكذا الجرح والتَّعديل، ولمَّا كان مِنْ شرط المزكِّي والجارح العدالةُ، وجب أن يكون مِنْ شرطِهما العددُ.
          واتَّفقوا على أنَّهُ لو عدَّل رجلان وجرح واحدٌ أنَّ التَّعديل أَولى، فلو كان الواحد مقبولًا لَمَا صحَّ التَّعديل مع جرح الواحد.
          واتَّفقوا لو استوى الجرح والتَّعديل أنَّ الجرح أولى أن يُعْمَل به مِنَ التَّعديل، وهو قول مالكٍ في «المدوَّنة» والحُجَّة لذلك أنَّ الجرح باطنٌ والعدالة ظاهرٌ، والجارح يصدِّق المعدِّل ويقول: قد علمتُ مِنْ حاله مثلَ ما علمتَ أنت، وانفردتُ أنا بعلم ما لم تعلم أنت مِنْ أمرِه، بعلمٍ انفردْتُ به لا يُنَافي خبر المعدِّل، وخبر المعدِّل لا ينفي صدق الجارح فوجب أن يكون الجرحُ أولى مِنَ التَّعديل.