عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب القضاء والفتيا في الطريق
  
              

          ░10▒ (ص) بَابُ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان القضاء؛ أي الحكم، و(الفُتْيَا) بِضَمِّ الفاء، يقال: استفتيت الفقيه فأفتاني، والاسم الفُتْيَا والفَتْوى.
          قوله: (فِي الطَّرِيقِ) أي: حال كون القضاء والفتيا في الطريق، وقال المهلَّب: الفتوى في الطريق على الدَّابَّة وما يشاكلها مِن التواضع لله، فإن كانت لضعيفٍ أو جاهلٍ فمحمودٌ عند الله والناس، وإن تكلَّف ذلك لرجلٍ مِن أهل الدنيا ولمن يُخشَى لسانُه؛ فمكروهٌ أن ينزل مكانه، واختلف أصحاب مالكٍ في القضاء سائرًا أو ماشيًا؛ فقال أشهب: لا بأس بذلك إذا لم يشغله السير أو المشي عن الفهم، وقال سحنون: لا ينبغي أن يقضي وهو يسير أو يمشي، وقال ابن حبيبٍ: ما كان مِن ذلك يسيرًا كالذي يأمر بسجن مَن وجب عليه، أو يأمر بشيءٍ، أو يكفُّ عن شيءٍ؛ فلا بأس بذلك، وأَمَّا الابتداء بالنظر ونحوه فلا، وقال ابن بَطَّالٍ: وهو حسنٌ، وقول أشهب أشبه بالدليل، وقال ابن التين: لا يجوز الحكم في الطريق فيما يكون غامضًا.
          (ص) وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ.
          (ش) (يَعْمَرُ) بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المُهْمَلة وفتح الميم وبالراء، التَّابِعِيُّ الجليل المشهور، وكان مِن أهل البصرة، فانتقل إلى مرو بأمرِ الحَجَّاج، فولي قضاء مرو لقُتَيبة بن مسلمٍ، وكان مِن أهل الفصاحة والورع، وقال الحاكم: وقضى في أكثر مدن خراسان، وكان إذا تحوَّل إلى بلدٍ استخلف في التي انتقل منها، وفي «التوضيح»: يحيى بن يَعمَر قضى في الطريق لعلَّه فيما كان نصٌّ فيه أو مسألةٌ لا يحتاج إلى رَويٍّ دون ما غمض.
          قوله: (فِي الطَّرِيقِ) أي: حال كونه في الطريق، ووصل هذا مُحَمَّد بن سعدٍ في «الطبقات» عن شبابة عن موسى بن يسار قال: رأيت يحيى بن يَعمَر على القضاء بمرو، فربَّما رأيته يقضي في السوق وفي الطريق، وربَّما جاءه الخصمان وهو على حمارٍ فيقضي بينهما.
          (ص) وَقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ.
          (ش) (الشَّعْبِيُّ) هو عامر بن شَرَاحيل بن عبد الله أبو عمرو، نسبته إلى شَعْبٍ مِن همدان، مات في أَوَّل سنة ستٍّ ومئة، وهو ابن سبعٍ وسبعين سنةً، وقال منصور بن عبد الرَّحْمَن الغدانيُّ عن الشعبيِّ: أدركت خمس مئةٍ مِن أصحاب رسول الله صلعم يقولون: عليٌّ وطلحةُ والزُّبَيرٌ في الجنَّة، وروى عنه جماعةٌ كثيرون، منهم الإمام أبو حنيفة ☺ .
          قوله: (عَلَى بَابِ دَارِهِ) أي: حال كونه على باب داره، وقال ابن سعدٍ في «الطبقات»: حَدَّثَنَا أبو إسرائيل: رأيت الشعبيَّ يقضي عند باب الفيل بالكوفة.