عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من مات وعليه نذر
  
              

          ░30▒ (ص) بابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ.
          (ش) [أي: هذا باب في بيانِ حكمِ مَن مات والحالُ أنَّ عليه نذرٌ؛ هَل يُقضَى عنه أم لا؟
          (ص) وَأَمَرَ ابنُ عُمَرَ امْرأةً جَعَلَتْ أُمُّها عَلى نَفْسِها صَلاةً بِقُباءٍ، فقال: صَلِّي عَنْها.
          (ش) ]
هذا أوضح حكمَ التَّرجمة؛ يعني: مَن مات وعليه نذرٌ يقضى عنه، وبهذا أخذتِ الظَّاهريَّة، وقالوا: يجب قضاءُ النَّذر عَنِ الميت على ورثته، صومًا كان أو صلاة، وقالت الشَّافِعِيَّة: تجوز النيابةُ عَنِ الميت في الصَّلاة والحجِّ وغيرهما؛ لتضمُّنِ أحاديث الباب بذلك، وفي «التوضيح»: الفعل الَّذي يتضمَّن فعل النَّذر خاصَّة _كالصَّلاة والصَّوم_ فالمشهور من مذهَب الفقهاء أنَّهُ لا يفعل، وقال مُحَمَّد ابن عبد الحكَم: يُصام عنه، وهو القديم للشَّافعيِّ، وصحَّت به الأحاديث، فهو المختار، وقاله أحمد وإسحاق وأبو ثور وأهل الظَّاهر، وعند الحَنَفيَّة: لا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ ولا يصوم عنه، ونقل ابن بَطَّالٍ إجماعَ الفقهاء أنَّهُ لا يصلِّي أحدٌ عَن أحد فرضًا / ولا سُنَّة، لا عَن حيٍّ ولا عَن ميِّت، والجواب عمَّا رُوِيَ عَن ابن عمر: أنَّهُ صحَّ عنه خلاف ذلك، فقال مالكٌ في «الموطَّأ»: إنَّهُ بلغه أنَّ عبد الله بن عُمَر ☻ كان يقول: لا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ويُحمل قولُه في الأثر المذكور: «صلِّي عنها» إن شئت، وقال الكَرْمانيُّ: ويُروى: <صلِّي عليها> فإمَّا أن يُقام «على» مقام «عن» إذ حروف الجرِّ بينها مناوبة، وإمَّا أن يقال: الضَّمير راجعٌ إلى قُباء انتهى.
          قُلْت: المناوبة بين الحروف ليست على الإطلاق، ولم يقل أحدٌ: إنَّ «على» تأتي بمعنى «عن» مع أنَّ جماعة زعموا أنَّ «على» لا يكون إلَّا اسمًا، ونسبوه لسيبويه.
          أقول: لمَ لا يجوز أن يكون معنى (صلِّي عليها) : ادعِي لها؟ فيكون قد أمرها بالدُّعاء لها، لا بالصَّلاة عنها.
          (ص) وقال ابنُ عَبَّاس نَحْوَهُ.
          (ش) أي: قال عبد الله ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ نحوَ ما قال عبد الله بن عُمَر ☻، ووصل هذا المعلَّقَ ابنُ أبي شَيْبَةَ بسند صحيح عن سعيد بن جُبَير قال مَرَّةً عن ابن عَبَّاس قال: [إذا ماتَ وعليه نذرٌ قضى عنه وليُّه، ورُوِيَ عنه خلاف ذلك، رواه النَّسائيُّ مِن طريق أيُّوب بن موسى، عَن عطاء، عن ابن عَبَّاسٍ قال]: لا يصلِّي أحدٌ عَن أحدٍ، ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، وجمع بعضهم بين الرِّوايتين بأنَّ الإثبات في حقِّ مَن مات، والنَّفي في حقِّ الحيِّ.
          قُلْت: النَّقل عنه في هذا مضطرب، فلا يقوم به حجَّة لأحدٍ.