عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا حلف ألا يأتدم فأكل تمرًا بخبز وما يكون من الأدم
  
              

          ░22▒ (ص) بابٌ: إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْتَدِمَ، فَأَكَلَ تَمْرًا بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ؟
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه إذا حَلَفَ ألَّا يأكل إدامًا، فأكل تمرًا بخبز؛ أي: ملتبسًا به مقارنًا له، وجواب (إذا) محذوف؛ تقديره: هل يكون بذلك مؤتدمًا أم لا؟
          قوله: (وَمَا يَكُونُ مِنَ الْأُدْمِ) عطفٌ على جملة الشَّرط والجزاء؛ أي: باب يذكر فيه أيضًا ما يكون _أي: أيُّ شيء يكون_ مِنَ الأُدْم؟ ولم يذكر حكم هذين المذكورين اعتمادًا على مستنبط الأحكام مِنَ النُّصوص.
          أَمَّا الفصل الأَوَّل فقد رُوِيَ فيه عَن حفص بن غياث، عن مُحَمَّد بن يحيى الأسلميِّ، عن يزيد الأعور، عَن ابن أبي أميَّة، عَن يوسف، عَن عبد الله بن سلام قال: رأيتُ النَّبِيَّ صلعم أخذ كِسرةً مِن خبز شعيرٍ، فوضع عليها تمرًا، وقال: «هذه إدامُ هذه» فأكلها، وبهذا يحتجُّ أن كلَّ ما يوجد في البيت غير الخبز فهو إدامٌ، سواءٌ كان رطبًا أو يابسًا، فعلى هذا أنَّ مَن حلف ألَّا يأتدم فأكلَ خبزًا بتمرٍ؛ فَإِنَّهُ يحنث، ولكن قالوا: إنَّ هذا محمولٌ على أنَّ الغالب في تلك الأيَّام أنَّهم كانوا يتقوَّتون بالتَّمر؛ لشطب عيشتهم، ولعدم قدرتهم على غيره إلَّا نادرًا.
          وأَمَّا الفصل الثاني ففيه خلافٌ بين العلماء؛ فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الإدام ما يُصطَبَغ به؛ مثل: الزَّيت والعسل والخلِّ والملح، وأَمَّا ما لا يصطبغ به مثل: اللَّحم المشويِّ والجبن والبيض؛ فليس بإدام، وقال مُحَمَّد: هذه إدام / وبه قال مالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمد، وهو روايةٌ عن أبي يوسف.
          فَإِنْ قُلْتَ: معنى (ما يُصطَبَغ به) ما يختلط به الخبز، فكيف يختلطُ الخبز بالملح؟
          قُلْت: يذوب في الفم، فيحصل الاختلاط، وفي «التَّوضيح»: وعند المالكيَّة: يحنث بكلِّ ما هو عند الحالفِ إدامٌ، ولكلِّ قوم عادةٌ.