عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة
  
              

          ░24▒ (ص) بابٌ إِذَا أَهْدَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه إذا أهدى شخصٌ ماله _أي: جعله هديَّة للمسلمين، أو تصدَّق به_ على وجه النَّذر، أو على وجه التَّوبة؛ بفتح التَّاء المُثَنَّاة مِن فوق وسكون الواو، كذا هو في رواية الجميع إلَّا الكُشْميهَنيَّ، فإنَّ في روايته: <إلَّا القُرْبة> بِضَمِّ القاف وسكون الرَّاء، وجوابُه محذوفٌ؛ تقديره: هل ينفذ ذلك إذا نجَّزه أو علَّقه؟ وهذا الباب أَوَّلُ أبواب النذور؛ لأنَّ الكتاب كان في (الأَيمان والنذور) وفرغ عن أبواب الأَيمان، وشرع في أبواب النذور، وهو جمع (نَذْر) وهو إيجاب شيء _مِن عبادة أو صدقة أو نحوهما_ على نفسه تبرُّعًا، يقال: نذرتُ الشَّيء أنذِر وأنذُر _بالكسر والضَّمِّ_ نذرًا، ويقال: النَّذر في اللُّغة: التزام خيرٍ أو شَرٍّ، وفي الشَّرع: التزام المكلَّف شيئًا لم يكن عليه منجَّزًا أو معلَّقًا، والنَّذر نوعان: نذر تبرُّر، ونذر لجاج، فالأَوَّل على قسمين؛ أحدهما: ما يتقرَّب به ابتداءً؛ كقوله: لله عليَّ أن أصوم كذا، مطلقًا، أو: أصوم شكرًا عليَّ إِنِ اللهُ شفى مريضي، ونحوه، قيل: الاتِّفاق على صحَّته في الوجهين، وعن بعض الشَّافِعِيَّة في الوجه الثاني: أنَّهُ لا ينعقد، والثَّاني مِنَ القسمين: ما يُتَقرَّب به معلَّقًا؛ كقوله: إن قدم فلان مِن سفره؛ فعليَّ أن أصوم كذا، وهذا لازم اتِّفاقًا، ونذر اللِّجاج كذا على قسمين؛ أحدهما: تعلُّقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد، والقسم الآخر: / ما يتعلَّق بفعل مباحٍ أو ترك مستحبٍّ أو خلاف الأَولى، ففيه ثلاثة أقوال للعلماء: الوفاء، أو كفَّارة يمين، أو التَّخيير بينهما عند الشَّافِعِيَّة، وعند المالكيَّة: لا ينعقد أصلًا، وعند الحَنَفيَّة: يلزم كفَّارة اليمين في الجميع.