عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته
  
              

          ░12▒ (ص) بابُ الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان الحلِفِ بعزَّة الله؛ نحو أن يقول: وعزَّةِ اللهِ لأفعلنَّ كذا، أو لا أفعلنَّ، وهذا يمينٌ فيه الكفَّارة.
          قوله: (وَصِفَاتِهِ) قال ابن بَطَّالٍ: اختلف العلماء في اليمين بصفات الله؛ فقال مالكٌ في «المدوَّنة»: الحلِف بجميع صفات الله وأسمائه لازمٌ؛ كقوله: والسميعِ، والعليمِ، والبصيرِ والخبيرِ، واللطيفِ، أو قال: وعزَّةِ الله تعالى، وكبريائه، وقدرتِه، وأمانتِه، وحقِّه؛ فهي أيمانٌ كلُّها تُكفَّر، وذكر ابن المنذر مثلَه عن الكوفيِّين: أنَّه إذا قال: وعظمةِ الله، وجلالِ اللهِ، وكبرياءِ الله، / وأمانةِ الله، وحنثَ؛ عليه الكفَّارة، وكذلك في كلِّ اسمٍ مِن أسماء الله تعالى، وقال الشَّافِعِيُّ في جلال الله، وعظمةِ الله، وقدرةِ الله، وحقِّ الله، وأمانةِ الله: إن نوى بها اليمينَ فذاك، وإلَّا فلا، وقال أبو بكرٍ الرازيُّ عن أبي حنيفة: إنَّ قولَ الرجل: «وحقِّ الله» «وأمانةِ الله» ليست بيمينٍ؛ لأنَّه عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام قال: «مَن كان حالفًا فلْيَحْلِفْ باللهِ».
          قوله: (وَكَلِمَاتِهِ) أي: الحلِف بكلمات الله؛ نحو الحلِف بالقرآن، أو بما أَنزَلَ اللهُ، واختلفوا فيمَن حلف بالقرآن أو المُصحَف أو بما أَنزَلَ اللهُ؛ فرُوِيَ عن ابن مسعودٍ ☺ : أنَّ عليه لكلِّ آيةٍ كفارةَ يمينٍ، وبه قال الحسن البَصريُّ وأحْمَد ابن حَنْبَل، وقيل: كلامُ ابن مسعودٍ محمولٌ على التغليظ، ولا دليل على صحَّته، وقال ابنُ القاسمِ: إذا حلف بالمصحف؛ عليه كفَّارةُ يمينٍ، وهو قولُ الشَّافِعِيِّ فيمَن حلف بالقرآن، وبه قال أبو عُبَيدٍ، وقال عطاءٌ: لا كفَّارة عليه.
          (ص) وقال ابنُ عَبَّاسٍ: كانَ النَّبِيُّ صلعم يَقولُ: «أعُوذُ بِعِزَّتِكَ».
          (ش) هذا التعليق وصله البُخَاريُّ في (التوحيد) مِن طريق يحيى بن يَعمَر عن ابن عَبَّاسٍ، فراجِع إليه.
          (ص) وقال أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلعم : «يَبْقَى رجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ؛ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ، لا وَعِزَّتِكَ؛ لا أسْألُكَ غَيْرَها» قال أبُو سَعِيدٍ: قال النَّبِيُّ صلعم : «قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثْالِهِ».
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (وَعِزَّتِكَ؛ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا) وهذا التعليق مضى مطوَّلًا عن قريبٍ في (باب الصِّراط جسرُ جهنَّم) و(أَبُو سَعِيدٍ) هو الخُدْريُّ.
          (ص) وقال أيُّوبُ ◙ : وعزَّتِكَ لا غِنَى بِي عنْ بَرَكَتِكَ.
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (وَعِزَّتِكَ)، وهذا التعليق مضى في (كتاب الوضوء) في (باب مَنِ اغتسَل عُريانًا وحدَه) عن أبي هُرَيْرَة عنِ النَّبِيِّ صلعم قال: «بينا أيُّوب يغتسل عريانًا؛ فخرَّ عليه جرادٌ مِن ذهبٍ، فجعل أيُّوبُ يحتَثي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيُّوبُ؛ ألم أَكُنْ أغنيتُك عمَّا ترى؟ قال: بلى وعزَّتِك، وَلكِن لا غِنى بي عن بركتك» ومضى الكلام فيه هناك.
          قوله: (لَا غِنى بِي) أي: لا استغناءَ، أو لا بدَّ.