عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت
  
              

          ░5▒ (ص) بابٌ: لَا يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يقال فيه: لا يُحلَفُ؛ على صيغة المجهول، وفي بعض النُّسَخ: <باب لا تحلفُوا باللات > بصيغة أمر الجمع.
          و(اللَّاتُ) قال الثعلبيُّ: أُخِذَ اللَّات مِنَ لفظة «الله» فأُلحِقَت بها تاء التأنيث؛ كما قيل للمذكَّر: عَمْرو، ثُمَّ قيل للأنثى: عَمْرة.
          قُلْت: أرادوا أن يسمُّوا آلهتَهم بلفظة (الله) فصرفها الله إلى (اللَّاتِ) صيانةً لهذا الاسم الشريف، وعَن قتادة: «اللَّات» صخرة بالطائف، وعن ابن زيد: بيتٌ / بنخلةَ كانت قريش تعبده، وقيل: كان رجلٌ يَلُتُّ السويق للحاجِّ، فلمَّا مات عكفوا على قبره فعبدوه، وعَن الكلبيِّ: كان رجلٌ مِن ثَقيف يُسمَّى صَرمة بن غنم، كان يَسلأُ السَّمن، فيضعه على صخرة، ثُمَّ يأتي العرب فيلتُّ به أسوِقَتَهم، فلمَّا مات الرجل حوَّلتها ثقيف إلى منازلها فعبدوها.
          و(الْعُزَّى) اختُلِفَ فيها؛ فعن مجاهدٍ: هي شجرةٌ لغَطَفان يعبدونها، وهي التي بَعَث إليها رسولُ الله صلعم خالد بن الوليد ☺ فقطعها، فخرجت منها شيطانةٌ ناشرةٌ شَعرها، داعيةٌ وَيلَها، واضعةٌ يَدَها على رأسها، فقتلها خالد ☺ ، وعن الضَّحَّاك: هي صنمٌ لغَطَفان، وضعها لهم سعد بن ظالم الغَطَفانيُّ، وذلك أنَّهُ لمَّا قدم مكَّة، ورأى أنَّ أهلها يطوفون بين الصفا والمروة؛ أخذ حجرًا مِنَ الصفا، وحجرًا مِنَ المروة، فنقلهما إلى نَخلةَ، ثُمَّ أخذ ثلاثة أحجارٍ فأسندها إلى صخرةٍ، وقال: هذا ربُّكم فاعبدوه، فجعلوا يطوفون بين الحجَرَين ويعبدون الحجارة، حَتَّى افتتح رسول الله صلعم مكَّة، فأمر بهدمها، وعن ابن زيدٍ: «العُزَّى» بيتٌ بالطائف كانت تعبُده ثقيف، ومِن أصنامهم: المناة، قال قتادة: كانت لخُزاعة، وكانت بقديدة، وعن ابن زيدٍ: بيتٌ كان بالمُشلَّل تعبده بنو كعب، وقال الضَّحَّاك: مناة صنم لهذيل وخزاعة تعبدها أهل مكَّة، وقال: اللات والعُزَّى ومناة أصنامٌ مِن حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
          قوله: (وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ) أي: ولا يحلف بالطواغيت أيضًا، وهو جمع (الطاغوت) وهو صنمٌ، وقيل: شيطان، وقيل: كلُّ رأس ضلالة، وعن جابر وسعيد بن جبير: الكاهن، وقال الطَّبَريُّ: هو عندي «فعلوت» مِنَ الطغيان؛ كـ«الجَبَروت» مِنَ الجبر، قيل ذلك لكلِّ مَن طغا على الله فعُبِدَ مِن دونه، إنسانًا كان ذلك الطاغي أو شيطانًا أو صنمًا.
          قُلْت: أصله (طَغَيُوت) فقُدِّمَت الياء على الغين فصار (طَيَغُوت) ثُمَّ قُلِبَت الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها.