عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قص الشارب
  
              

          ░63▒ (ص) باب قَصِّ الشَّارِبِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ سُنِّيَّة قصِّ الشارب، بل وجوبه.
          هذا الباب وما بعده إلى آخر (كتاب اللباس) أحدٌ وأربعون بابًا ذكرها في (كتاب اللباس)، قيل: لا تعلُّق لها بـ«كتاب اللباس»، وتعسَّف بعضهم بأنَّ لها تعلُّقٌ بـ(اللباس) مِن جهة الاشتراك في الزينة.
          قُلْت: مُطلق (اللباس) ليس للزينة على ما لا يخفى، ومع هذا فيه أبوابٌ بمعزلٍ عَن الزينة؛ وهي: (باب المتشبِّهين بالنساء) والباب الذي بعده، و(باب خاتم الحديد) و(باب الجلوس على الحصير) و(باب ما يُدعى لمن لبس ثوبًا جديدًا) و(باب اشتمال الصمَّاء) و(باب مَن لبس جبَّةً ضيِّقة الكُمَّين) والباب الذي بعده، ولكن ذكرنا لكلِّ بابٍ منها مناسبةً لحديثه، والأحسنُ الأوجهُ أن نذكر مناسبةً لكلٍّ مِن (باب قصِّ الشارب) والأبواب التي بعده إن ظفرنا بها ولو كانت بشيء يسير، والباب الذي لا يوجد له مناسبةٌ ما نسكتُ عنه.
          وأَمَّا مناسبة ذكر (باب قصِّ الشارب) في (كتاب اللباس) فيمكن أن يقال: إنَّ في قصِّ الشارب زينة، فناسب الأبواب التي فيها وجود الزينة.
          (ص) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ☻ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ بَيْنَ هَذَيْنِ؛ يَعْنِي: مِنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.
          (ش) كذا وقع بلفظ: (ابنُ عُمَرَ) يعني: عبد الله بن عُمَر، هذا في رواية أبي ذرٍّ والنَّسَفِيِّ، وعليها العُمدة، ووقع في رواية الباقين: <وكان عمر> يعني: ابن الخَطَّاب، وخَطَّؤوا هذه الرواية.
          وهذا التعليق وصله الطَّحَاويُّ مِن خمس طرق؛ الأَوَّل: عن ابن أبي داود: حَدَّثَنَا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حَدَّثَنَا عاصم بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن ابن عُمَر: أنَّهُ كان يُحفي شاربه حَتَّى يُرى بياض الجلد، وفي لفظ: يُحفي شاربه كأنَّه ينتفه، وفي لفظٍ مِن حديث عُقْبَة بن مسلمٍ قال: ما رأيتُ أحدًا أشدَّ إحفاءً لشاربه مِن ابن عمر، كان يحفيه حَتَّى إنَّ الجلد ليُرى.
          قوله: (يُحْفِي) مِنَ الإحفاء؛ بالحاء المُهْمَلة والفاء، يقال: أحفى شعرَه؛ إذا استأصله حَتَّى يصيرَ كالحلق، ولكون إحفاء الشارب أفضلَ مِن قَصِّه عبَّر الطَّحَاويُّ بقوله: (باب حلق الشارب).
          قوله: (وَيَأْخُذُ بَيْنَ هَذَيْنِ) ويُروى: <ويأخذ هذينِ؛ يعني: بَيْنَ الشارِبِ واللِّحية> وقوله: (بَيْنَ) كذا هو لجميع الرواة، إلَّا أنَّ عياضًا ذكر أنَّ مُحَمَّد بن أبي صُفْرة رواه بلفظ (مِن) التي للتبعيض، والأَوَّلُ هو المعتمد، وقال الكَرْمانيُّ: «هَذَيْنِ» يعني: طرفَي الشَّفَتين اللَّذَينِ هما بين الشارب واللحية وملتقاهما؛ كما هو العادة عند قصِّ الشارب في أن تُنظَّف الزاويتان أيضًا مِنَ الشعر، ويحتمل أن يُراد بهما طرَفا العنفقة.