عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي
  
              

          ░59▒ (ص) بَابُ سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِيِّ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان سريَّة عبد الله... إلى آخره، وليس في كثيرٍ مِنَ النُّسَخ لفظ: (باب) وقد مرَّ تفسير السريَّة عن قريبٍ.
          و(عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ) بِضَمِّ الحاء المُهْمَلة وتخفيف الذال المُعْجَمة وبالفاء، ابن قيس بن عَدِيِّ بن سعد بن سهمٍ القرشيُّ السهميُّ، أسلم قديمًا وكان من المهاجرين الأوَّلين إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ويقال: إنَّهُ شهد بدرًا، ولم يذكره ابن إسحاق في البدريِّين، وكانت فيه دعابةٌ، وكان رسولُ الله صلعم أرسله إلى كِسرى، وقال خليفة بن خيَّاطٍ: وفي سنة تسع عشرة أسرت الروم عبد الله بن حُذافة السهميَّ، وقال ابن لهيعة: تُوفِّي عبد الله بن حُذافة السهميُّ بمِصر، ودُفِن بمقبرتها.
          و(عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ) بِضَمِّ الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى الثقيلة، وحُكِي فتحها، والأَوَّل أشهر، وقال عياضٌ: وقع لأكثر الرواة بسكون الحاء المُهْمَلة وكسر الراء، وقال بعضهم: وأغرب الكَرْمَانِيُّ فضبطه بالحاء المُهْمَلة وتشديد الراء فتحًا وكسرًا، وهو خطأٌ ظاهرٌ، انتهى
          قُلْت: هذا تشنيعٌ عليه مِن غير وجهٍ؛ لأنَّه لم يضبط إلَّا بقوله: (بِضَمِّ الميم وفتح الجيم وفتح الزاي المشدَّدة وكسرها وبزايٍ أخرى)، ثُمَّ قال: (وقال بعضهم: هو بالحاء المُهْمَلة وبالراء المشدَّدة فتحًا وكسرًا، ثُمَّ بالزاي المُعْجَمة) ونسبة الخطأ إليه خطأٌ؛ لأنَّه حكى ذلك عن بعضهم، وليس عليه في ذلك مؤاخذةٌ، وقال الذهبيُّ: عَلْقَمَة بن مجزِّز الأعور بن جعدة الكِنَانِيُّ المدلجيُّ، استعمله النَّبِيُّ صلعم على سريَّةٍ، وبعثه عمر ☺ على جيشٍ إلى الحبشة فهلكوا كلُّهم، وذَكَرَ أباه مجزِّزًا في الصحابة، وقال: القائف، روى عنه النَّبِيُّ صلعم .
          قوله: (الْمُدْلِجِيِّ) بِضَمِّ الميم وسكون الدال المُهْمَلة وكسر اللَّام وبالجيم، وقال الرُّشاطيُّ: المُدْلِجيُّ في كِنانة يُنسَب إلى مُدْلِج بن مُرَّة بن عبد مَناة، منهم مِن أصحاب النَّبِيِّ صلعم : مُجزِّزٌ المُدْلِجيُّ القائف، المذكور في حديث عائشة ♦، وهو مُجَزِّز بن الأعور بن جَعدة بن معاذ / بن عتوارة بن عَمْرو بن مُدْلِج، نسبه ابنُ الكلبيِّ.
          قوله: (وَيُقَالُ: إِنَّهَا) أي: إنَّ هذه السَّريَّة (سَرِيَّةُ الأَنْصَارِيِّ) وأراد به عبد الله بن حُذافة السهميَّ القرشيَّ المهاجريَّ، وقال ابن الجوزيِّ: قوله: «الأَنْصَارِي» وهمٌ مِن بعض الرواة، وإِنَّما هو سَهميٌّ، وقال بعضهم: يحتمل الحمل على المعنى الأعمِّ؛ أي: أنَّهُ نصر رسولَ الله صلعم في الجملة.
          قُلْت: فيه نظرٌ؛ لأنَّ هذا الاحتمال يجري في جميع الصحابة، والأنصاريُّ خلافُ المهاجريِّ، وليس المرادَ فيه المعنى اللُّغويُّ.