عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب غزوة ذات الرقاع
  
              

          ░31▒ (ص) بابٌُ: غَزْوَةُِ ذَاتِ الرِّقَاعِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان غَزْوَة ذات الرِّقاع؛ بِكَسْرِ الرَّاء وبالْقَاف والْعَيْن الْمُهْمَلة، سُمِّيَت بذَلِكَ لِأَنَّهُم رقعوا فِيهَا راياتِهم، وقيل: لأنَّ أقدامَهم نقبت، فكانوا يلفُّون عليها الخرق، وقيل: كانوا يلفُّون الخرق مِنَ الحَرِّ، وقيل: سُمِّيَت بذَلِكَ لشجرةٍ هناكَ تُسَمَّى ذاتَ الرِّقَاع، وقال الْوَاقِدِيُّ: سُمِّيَت بذَلِكَ لجَبَلٍ فِيهِ بُقَعٌ حُمْرٌ وبيضٌ وسودٌ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أقام رَسُولُ اللهِ صلعم بالْمَدِينَة بعد غَزْوَة بَنِي النَّضِيرِ شهرَي ربيعٍ وبعضَ جُمادى، ثُمَّ غزا نجدًا يُريدُ بني مُحَارِب وبني ثَعْلَبَةَ مِن غَطَفَان، واستعمل على الْمَدِينَة أبا ذرٍّ _وقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويُقال: عُثْمَان بن عفَّان_ ثُمَّ سارَ حَتَّى نزل نجدًا، وهي غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاع، فلَقِيَ بها جَمْعًا مِن غَطَفَان، فتقارب الناسُ، ولم يكن بينهم حَرْبٌ، وقد أخاف الناس بعضهم بعضًا حَتَّى صلَّى رَسُولُ اللهِ صلعم صلاةَ الخوف.
          والحاصلُ: أنَّ غَزْوَةَ ذات الرِّقاع عند ابن إِسْحَاق كانت بعد بَنِي النَّضِيرِ وقبل الخندق سَنَةَ أَرْبَعٍ، وعند ابْن سَعْدٍ وابن حِبَّان: أنَّها كانت في المُحَرَّم سَنَةَ خَمْسٍ، وميلُ البُخَاريِّ إلى أنَّها كانت بعدَ خيبرَ على ما سيأتي، واستدلَّ على ذَلِكَ بأنَّ أبا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ شَهِدَها، وقُدُومُه إِنَّما كان ليالي خيبرَ صحبةَ جَعْفَرٍ وأصحابه، ومع هذا ذكرها البُخَاريُّ قبلَ خيبر، والظاهرُ أنَّ ذَلِكَ مِنَ الرواة، وقال الْوَاقِدِيُّ: خرج إليها رَسُولُ اللهِ صلعم ليلةَ السبت لعشرٍ خلون مِنَ المُحَرَّم في أربعِ مئةٍ، وقيل: سبع مئة، وعند البَيْهَقيِّ: أو ثمان مئة، وقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: على رأس تسعةٍ وَأَرْبَعِينَ شهرًا مِنَ المهاجرة، وغاب خمسَ عشرةَ ليلةً، وفي «المعجم الأوسط» للطبرانيِّ عن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذِر: قال مُحَمَّد بن طَلْحَة: كانت غَزْوَةُ ذات الرِّقاع تُسَمَّى غَزْوَةَ الأعاجيب.
          (ص) / وَهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا.
          (ش) أي: غَزْوَةُ ذات الرِّقاع هي غَزْوَة مُحَارِب.
          قوله: (مُحَارِبِ خَصَفَةَ) بإضافة (مُحَارِب) إلى (خَصَفَة) للتمييز؛ لأنَّ (مُحَاربًا) في العرب جماعةٌ، ومُحَاربٌ هذا: هو ابن خَصَفَة؛ بالخاء الْمُعْجَمة والصَّاد الْمُهْمَلة والفَاء المفتوحات، وهو ابن قيس بن عَيْلان بن إلياسَ بن مُضَرَ.
          قوله: (مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ) ذِكْرُه بكلمة (مِنْ) يقتضي أنَّ ثعلبةَ جدٌّ لمُحَارِب، وليس كذلك، والصوابُ ما وقع عند ابن إِسْحَاق وغيرِه: (مُحَارِب خَصَفَةَ وبَنِي ثَعْلَبَةَ) بواو العطف، فإِنَّ غَطَفان هو ابْن سَعْدٍ بن قيس بن عَيْلان، فمُحَارِب وغَطَفَان أبناء عمٍّ، فكيف يكون الأعلى منسوبًا إلى الأدنى؟! وَفِي رِوَايَةِ القابسيِّ: <خَصَفة بني ثعلبة>، وقال الجَيَّانيُّ: كلاهما وهمٌ، والصوابُ: «مُحَارب خَصَفَة وبني ثعلبة» بواو العطف؛ كما ذكرناه، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: «محارب» قبيلةٌ مِن فِهْر.
          قُلْت: ليس كذَلِكَ؛ لأنَّ المُحارِبين هنا لا ينتسبون إلى فِهْر، بل ينتسبون إلى خَصَفة، ولم يُحرَّر هذا الموضعَ كما ينبغي.
          قوله: (فَنَزَلَ) أي: النَّبِيُّ صلعم .
          قوله: (نَخْلًا) بِفَتْحِ النُّون وسُكُون الخاء الْمُعْجَمة، وهو موضعٌ مِنَ الْمَدِينَة على يومين، وهو بوادٍ يقال له: شَدخ؛ بالشِّين الْمُعْجَمة والدَّال الْمُهْمَلة والخاء الْمُعْجَمة، وَفِيهِ طوائفُ مِن قيسٍ مِن بني فَزَارَةَ وأَشْجَعَ وأَنْمَار.
          (ص) وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ؛ لَأنَّ أَبَا مُوسَى ☺ جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ.
          (ش) أي: غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاع إِنَّما وقعت بعد غَزْوَة خيبرَ، واستدلَّ على ذَلِكَ بقوله: لأنَّ أبا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ جاءَ بعد خيبرَ، وثبت أنَّ أبا مُوسَى شَهِدَ غَزْوَةَ ذاتِ الرِّقاع، [فلزم مِن ذَلِكَ وقوعُ غَزْوَة ذاتِ الرِّقاع بعد غَزْوَة خيبرَ].