عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب غزوة الحديبية
  
              

          ░35▒ (ص) باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان غزوة الحُدَيبية، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: <باب عُمْرة الحُدَيبية> بدل (غزوة الحديبية) وهي بِضَمِّ الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء المُوَحَّدة، قال الأصمعيُّ: هي مُخَفَّفَة الياء الأخيرة، وزعم صاحب «تثقيف اللسان» أنَّ تشديدها لحنٌ، وقال أبو الخطَّاب: خَفَّف ياءها المُتقِنون وعامَّة المحدِّثين، والفقهاء يشدِّدونها، وهي قرية ليست بالكبيرة، سُمِّيت ببئرٍ هناك عند مسجد الشجرة بينها وبين المدينة تسعُ مراحلَ ومرحلةٌ إلى مكَّة شرَّفها الله تعالى، والشجرة سَمُرةٌ بايع الصحابة تحتها، قال مالكٌ: هي مِنَ الحرم، وقال ابن القصَّار: بعضها مِنَ الحلِّ وبعضها مِنَ الحرم، وكان يضارب النَّبِيُّ صلعم في الحِلِّ ومصلَّاه في الحرم، وقال الخطَّابيُّ: أهل الحديث يشدِّدونها، وكذلك «الجِعرانة»، وأهل العربيَّة يخفِّفونها، وقال البكريُّ: أهل العراق يشدِّدونها وأهل الحجاز يخفِّفونها، وقال أبو جعفر النحَّاس: سألتُ كلَّ مَن لقيتُه مِمَّن أثقُ بعلمه عن «الحُدَيبية» فلم يختلفوا عليَّ أنَّها بالتخفيف، وقيل: سُمِّيت الحديبية بشجرةٍ هناك حَدْباء فصغِّرت.
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رضي الله عن الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:18].
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجر عطفٌ على قوله: (غزوة الحديبية)، وأراد بذكر هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أنَّها نزلت في قصَّة الحديبية، وقد مرَّ بيان قصَّة الحديبية في (كتاب الصُّلح) في أبوابٍ متفرِّقة، وكانت في هلال ذي القعدة يوم الاثنينِ سنة ستٍّ، قال البَيْهَقيُّ: هذا هو الصحيح، وإليه ذهب الزُّهْريُّ وقتادة وابن عقبة وابن إسحاق وغيرهم، واختُلِف فيه على عروة؛ فقيل مثل الجماعة، وقيل: في رمضان، فرُويَ عنه: خرج رسول الله صلعم في رمضان، وكانت العمرة في شوَّال، وقال ابن سعدٍ: ولم يخرج رسول الله صلعم معه سلاح إلَّا السيوف في القرب، وساق سبعين بدنةً فيها جملُ أبي جهلٍ الذي غنِمَه يوم بدرٍ، ومعه من المسلمين ألف وستُّ مئة، ويقال: ألف وأربع مئة، ويقال: ألف وخمس مئة وخمسة وعشرون رجلًا ومعه أمُّ سلمة، قال الحاكم: والقلبُ أميلُ إلى روايةِ مَن روى ألفًا وخمس مئة؛ لاشتهاره، ولمتابعة المُسَيَِّبِ بن حَزْن له فيه، قال: ورواية موسى بن عُقبة: كانوا ألفًا وستَّ مئة لم يتابع عليها.
          قُلْت: قاله أبو مَعشَر وأبو سَعدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قال: ورُوِي عن عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفًا وثلاث مئة، وسيأتي في رواية البراء أنَّهم كانوا ألفًا وأربع مئة.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما وجه التوفيق بين هذه الروايات؟
          قُلْت: الوجه فيه أنَّ بعضهم ضمَّ إليهم النساء والأتباع، وبعضهم حذف، وقال ابن دِحْية: اختلاف الروايات أنَّ ذلك مِن باب الحَزْرِ والتخمين، لا مِن باب التحديد.