عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب غزوة الخندق وهي الأحزاب
  
              

          ░29▒ (ص) باب غَزْوَةُ الخنْدَقِ؛ وَهْيَ الأَحْزَابُ.
          (ش) أي: هذا بيان غَزْوَة الخنْدَق، وفي بعض النُّسَخ: <باب غَزْوَة الخنْدَق>.
          و(الْخَنْدَق) مُعَرَّب (كِندة) أَيْ: جُورة محفورة، وكان سبب حفر الخندق ما قاله ابْن سَعْدٍ ☼: لمَّا أجلى رَسُولُ اللهِ صلعم بَنِي النَّضِيرِ؛ ساروا إلى خَيْبَر، فخرج نفرٌ مِن أشرافهم إلى مكَّة شرَّفها اللَّه، فَأَلَّبُوا قُرَيشًا، ودَعَوهم إلى الخروج على رَسُول اللهِ صلعم ، وعاهدوهم على قتاله، ثُمَّ أتَوا غَطَفَان وسُلَيْمًا ففارقوهم على مثل ذلك، فتجمَّعت قريش بمَن تبعهم، فكانوا أربعةَ آلافٍ يقودهم أبو سُفْيَان، ووافقهم بنو سُلَيم بمَرِّ الظهران في سبع مئة يقودهم سُفْيَان بْن عَبْدِ شمسٍ، ومعهم بنو أسدٍ يقودهم طُلَيحةُ بن خُوَيلد، وخرجت فَزَارة يقودها عُيَيْنَةُ على ألف بعيرٍ، وخرجت أشجعُ في أربع مئة يقودها مسعودُ بن رُخَيْلة، وخرجت بنو مُرَّةَ في أربع مئةٍ يقودها الْحَارِثُ بْن عَوْف، فكان جميع القوم الَّذِينَ وافَوا الخندقَ عشرة آلاف، وكانوا ثلاثة عساكر، وعِنَاجُ الأمر إلى أبي سُفْيَان؛ [يعني: أنَّهُ كان صاحبَهم، ومدبَّر أمرِهم، والقائمَ بشؤونهم]، وقال قَتَادَة فيما ذكره البَيْهَقيُّ: كان الْمُشْرِكُونَ أربعةَ آلافٍ أو ما شاء اللَّه مِن ذلك، والصَّحَابَةُ فيما بلَغَنا ألفٌ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فلمَّا سمع بهم رَسُول اللهِ صلعم ضرب الخندقَ على الْمَدِينَة، وقَالَ ابْنُ هِشَام: يقال: إِنَّ الَّذِي أشار به سلمانُ ☺ ، وقال الطَّبَريُّ والسُّهَيْلِيُّ: أَوَّلُ مَن حفر الخندق منوجهر بن أَيْرج، وكان في زمن مُوسَى ◙ ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فعمل فِيهِ رَسُول اللهِ صلعم / ترغيبًا للْمُسْلِمِينَ في الأجر،وعمل معه الْمُسْلِمُونَ.
          قوله: (وَهِيَ الأَحْزَابُ) أي: غَزْوَة الخندق هي الأحزابُ، أشار بهذا إلى أنَّ لها اسمَين، و(الأحزابُ) جمع (حزب)، سُمِّيت بذَلِكَ لاجتماع طوائفَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على حِزْب الْمُسْلِمِينَ، وقد أنزل اللَّه تَعَالَى في هذه القصَّة صدر (سورة الأحزاب).
          (ص) قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
          (ش) (مُوسَى بْن عُقْبَةَ) ابن أَبِي عَيَّاش الأَسَدِيُّ المدينيُّ، صاحب «الْمَغَازِي»، مات فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِئَةٍ.
          قوله: (كَانَتْ) أي: غَزْوَة الخندق (فِي) شهر (شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ) مِنَ الهجرة، وتابعه على ذَلِكَ مالكٌ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عن مُوسَى بْن دَاوُدَ عَنْه، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ خَمْسٍ، وقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كانت في ذي الْقَعْدَةِ يوم الاثنين لثمانِ ليالٍ مضَينَ منها سَنَةَ خَمْسٍ.
          واعلم أنَّهُ كان بعد أُحُد: حَمْراء الأَسَد، ثُمَّ سَرِيَّة أَبِي سَلَمة، ثُمَّ سَرِيَّة عَبْد اللهِ بن أُنيس، وبَعْثُ الرَّجِيع، وقصَّة بِئْرِ مَعُونَة، ثُمَّ غَزْوَة بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَة ذات الرِّقَاعِ، ثُمَّ غَزْوَة بَدْرٍ الآخِرَة، ثُمَّ غَزْوَة دومَةَ الجَنْدَل، ثُمَّ الخندق.
          وأقام الْمُشْرِكُونَ على الخندق سبعًا وَعِشْرِينَ ليلةً، وقال الْوَاقِدِيُّ: أربعةً وَعِشْرِينَ يومًا، وقال الفَسَوِيُّ: بضعَ عشرةَ ليلةً، وقال مُوسَى: قَرِيبًا مِن عشرين ليلة، ولم يكن فِيهِ قتالٌ إلَّا ساعة كان بينهم مُرَامَاةٌ بالنِّبَال، فأُصيب أَكْحل سَعْدٍ ☺ على ما سيجيء بيانُه إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.