عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب عمرة القضاء
  
              

          ░43▒ (ص) بابُ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان عُمْرة القضاء، كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية المُسْتَمْلِي وحدَه: <باب غزوة القضاء>، وسُمِّيَت بـ(القضاء) اشتقاقًا مِمَّا كتبوا في كتاب الصُّلحِ يوم الحديبية: (هذا ما قاضى عليه)، لا مِنَ القضاء الاصطلاحيِّ، إذ لم تكن العمرةُ التي اعتمروا بها في السَّنَة القابلةِ قضاءً للتي تحلَّلوا منها يوم الصلح، قاله الكَرْمَانِيُّ، وفي «الإكليل» قال الحاكم: قد تواترتِ الأخبارُ عن أئِمَّة المغازي أنَّهُ لمَّا دخل هلالُ ذي القعدة مِن سنة سبعٍ مِنَ الهجرة؛ أَمَرَ رسولُ الله صلعم أصحابَه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وألَّا يتخلَّفَ منهم أحدٌ ممَّن شهد الحديبية، وخرج معه أيضًا قومٌ مِنَ المسلمين ممَّن لم يشهدِ الحديبية عمَّارًا، وكان المسلمون في هذه العمرةِ ألفَين سوى النساء والصبيان، انتهى.
          قُلْت: وفيه ردٌّ على ما قاله الكَرْمَانِيُّ، وإِنَّما ذكر العمرة في (كتاب المغازي) للخصومة التي جرت بينهم وبين الكُفَّار في سنة التحلُّل والسنة القابلة أيضًا وإن لم تكن بالمسايفة، إذ لا يلزم مِن إطلاق (الغزوة) المقاتلةُ بالسيوف، وتُسَمَّى عُمْرة القَضِيَّة، وعمرةَ القصاص، وعمرةَ الصُّلح، قال السُّهَيليُّ: تسميتُها «عُمْرة القِصاص» أَولى بها؛ لقوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}[البقرة:194]، وكذا رواه ابنُ جريرٍ بإسنادٍ صحيحٍ عن مجاهدٍ، وبه جزم سليمانُ التَّيميُّ في «مغازيه».
          (ص) وَذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: ذكر حديثَ عُمْرة القضاءِ أنسُ بن مالكٍ عن النَّبِيِّ صلعم ، ورواه عبدُ الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْريِّ عن أنسٍ قال: لمَّا دخل رسولُ الله صلعم مكَّةَ في عُمْرة القضاء؛ مشى عبدُ الله بن رَوَاحة بين يديه وهو يقول:
خَلُّوا بني الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ                     قَدْ نَزَّلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ /
بِأَنَّ خَيْرَ القَتْلِ فِي سَبِيلِهِ                     نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
كَمَا قَتَلْنَاكُم عَلَى تَنْزِيلِه
          وأخرجه ابنُ حِبَّان بزيادة في «صحيحه» وهي:
وَيَذْهَلُ الخَلِيلُ عَنْ خَلِيلِهِ                     يَا رَبِّ إِنِّي مُؤمِنٌ بِقِيلِهِ
          فقال له عمرُ ☺ : يا ابنَ رَواحةَ؛ أتقول الشعرَ بين يدي رسول الله صلعم ؟! فقال رسولُ الله صلعم : «دَعْهُ يا عمرُ؛ لَهَذَا أشدُّ عليهم مِن وقع النَّبْل».