الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الصلاة قبل المغرب

          ░35▒ (بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ): أطلق الصلاة وأراد صلاة ركعتَين قبل صلاة الفرضِ بعد غروب الشَّمسِ؛ لأنَّه الوارد على ما في ذلك من الاختلاف بين الأئمَّةِ والسَّلفِ، ويحتمل عدمَ التَّقييد بركعتَين، ولذا عبَّر بالصلاة مطلقاً كالحديث.
          قال ابن بطَّالٍ: اختلف السَّلف في التَّنفُّل قبل المغرب؛ فأجازته طائفةٌ وكرهته أخرى، فممن رُوي عنه أنَّه كان يفعله أبيُّ بن كعبٍ وعبد الرَّحمن بن عوفٍ وسعد بن أبي وقَّاصٍ، وقال حميد عن أنسٍ: رأيتهم إذا أذَّن المؤذِّن يبتدرون السَّواري فيصلُّون، وقال عبد الرَّحمن بن أبي ليلى: أدركتُ أصحابَ محمَّدٍ صلعم يصلُّون عند كلِّ تأذينٍ، وكان الحسن وابن سيرين يركعان قبل المغربِ، وهو قول أحمد وإسحاق، والحجَّة لهم من حديث المزنيِّ قوله عليه السَّلام: ((لمن شاء)).
          وممَّن كان لا يصلِّيها _كما قال النَّخعيُّ_ أبو بكرٍ وعُمر وعثمانُ ♥، وقال إبراهيم: هما بدعةٌ، قال: وكان خيار أصحاب رسول الله بالكوفة عليٌّ وابن مسعودٍ وحذيفة وعمَّارٌ وأبو مسعودٍ ♥ لا يصلُّون قبل المغرب، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفة والشافعيِّ، والحجَّة لهم _كما قال المهلَّب_ أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام؛ ليدلَّ على أنَّ وقت التَّحجير في صلاة النَّافلة في هذا الوقت انقطع بمغيب الشَّمس وحلَّت النَّافلةُ والفريضةُ، ثمَّ التزم النَّاس المبادرة للفريضة لئلَّا يتباطأ النَّاس بالصلاة عن الوقت الفاضلِ. انتهى.
          وأقولُ: الذي رجَّحه النَّوويُّ في أكثر كتبه كـ((المنهاج)) و((المجموع)) وكذا غيره استحباب هاتين الرَّكعتين، قال في ((المجموع)): واستحبابها قبل الشُّروع في الإقامة، فإن شرع فيها كُرِهت، بل يؤخِّرها لِما بعد الفراغ من الصلاة.