الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان النبي إذا قام من الليل يتهجد

          1120- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: المدينيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عيينة (قَالَ: حَدَّثَنَا): وفي بعض النُّسَخ: <أخبرنا> (سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ): أي: المكِّيُّ (عَنْ طَاوُوسٍ): أنَّه (سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ): ولمالكٍ: ((إذا قام إلى الصَّلاة مِن جوف اللَّيل))، وظاهر السِّياق: أنَّه كان يقوله أوَّل ما يقوم إلى الصَّلاة، ولابن خزيمة عن ابن عبَّاسٍ قال: كان رسول الله صلعم إذا قام للتَّهجُّد قال بعد ما يكبِّر: ((اللَّهمَّ لك الحمدُ))، وسيأتي في الدَّعوات عن ابن عبَّاسٍ في حديث مَبيتِه عند النبيِّ في بيت ميمونةَ، وفي آخره: وكان مِن دعائه: ((اللهمَّ اجعلْ في قلبي نوراً))...الحديث، قال في ((الفتح)): وهذا قاله لمَّا أراد أن يخرجَ إلى صلاة الصُّبح، كما بيَّنه مسلمٌ.
          وجملة الشَّرط مِن: ((إذا قام)) ومن جوابه وهو: (قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ): في محلِّ نصبٍ على أنَّه خبر ((كان))، وقال الطيبيُّ: الظَّاهر أنَّ ((قال)) جواب: ((إذا))، والجملة الشَّرطية خبر ((كان))، و((لك)) خبر ((الحمد)) مقدَّماً لإفادة الاختصاص، ويجري مثله في نظائره الآتية.
          (أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ): جمع الضَّمير مع عوده لـ((السَّماوات والأرض)) باعتبار تعدُّدهما، وعبَّر بـ((من)) تغليباً للعقلاء لشرفهم، وسقط: <أنت> مِن بعض النُّسخ كما قاله العينيُّ، وفي رواية أبي الزُّبير: ((قيَّام)) بالألف، ومعناه: كقيِّم وقيُّوم _بتشديد التَّحتيَّة في الثَّلاثة_ الدَّائم القيَّام بتدبير الخلق المعطي له ما به قوامه، وقيل: معناه: القائم بنفسه المقيم لغيره.
          وقال الزَّمخشريُّ: وقُرِئ: ▬القيام↨ و▬القيم↨، وقيل: قرأ بهما عُمر بن الخطَّابِ ☺؛ أي: في قولِه تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وقيل: القيِّم: القائم بأمور الخلق في جميع أحوالهم، ومنه: قيِّم الطِّفل، والقيُّوم: القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، ويقوم به كلُّ موجودٍ حتَّى لا يُتصوَّر شيءٌ ولا دوام وجوده إلَّا به، والقيَّام: القائم بنفسه بتدبير خلقهِ، قال التُّوربشتيُّ: والمعنى: أنت الَّذي تقومُ بحفظهما وحفظ مَن أحاطت / به واشتملت عليه، وتؤتي كلاًّ ما به قوامه، وتقوم على خلقك بما تراه مِن تدبيرك لهم، وقيامه بالسَّماوات والأرض حفظهما عن الزَّوال، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر:41].
          (وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ): بضمِّ ميم ((مُلْك)) وسكون اللَّام، وفي بعض النُّسخ: <أنت مَلِك>...إلخ: بفتح الميم وكسر اللَّام، وهذه أنسبُ بالسِّياق، ولم يتعرَّض هنا القسطلانيُّ ولا غيره لرواية: ((أنتَ ملك))...إلخ، بل فيما سيأتي قريباً.
          (وَلَكَ الْحَمْدُ، نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ): ولأبوي ذرٍّ والوقت والأصيليِّ وابن عساكر: <أنت نورُ> وهي مقدَّرةٌ في رواية غيرهم، قال ابن بطَّالٍ: معناه: بنورك يهتدي مَن في السَّماواتِ والأرض، وقيل: معناه: ذو نور السَّماوات والأرض، وقوله: (وَمَنْ فِيهِنَّ): سقط لغير أبوي ذرٍّ والوقت والأصيليِّ، وإضافة النُّور إلى السَّماوات والأرض للدِّلالة على سعة إشراقه وكثرة إضاءته، وعلى هذا فُسِّر قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] أي: منوِّرهما، وقُرِئ: ▬الله نَوَّر السَّمَوَات↨: ماضياً مِن التَّنوير؛ يعني: أنَّ كلَّ شيءٍ استنار منهما واستضاء فبقدرتك وجودك.
          وقال أبو العالية: مزيِّن السَّماوات والأرض بالشَّمس والقمر والنُّجوم، ومزيِّن الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء، وقيل: سُمِّي اللهُ تعالى بالنُّور لِما اختصَّ به من إشراقِ الجلال وسبحان العظمةِ الَّتي تضمَحلُّ الأنوار دونها، وقيل: المعنى: أنت المنزَّه من كلِّ عيبٍ، يُقال: فلانٌ منور؛ أي: مبرَّأٌ مِن كلِّ عيبٍ، ويُقال: هو اسم مدحٍ، تقول: فلانٌ نور البلد وشمس البلد؛ أي: مزيِّنه.
          وقوله: (وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ): كذا للأكثرين، وللكشميهنيِّ: <لك ملك السَّماوات والأرض> بدل: <أنت> كذا وقع في النُّسخ الَّتي شرحَ عليها القسطلانيُّ مِن ذكر هذه الجملة مرَّتين: مرَّة قبل: ((أنت نور السَّماوات والأرض)) ومرَّةً بعدها، وسقط: <ومَن فيهنَّ> مِن الأخيرة في سائر النُّسخ، ووقعَ في النُّسخ الَّتي شرحَ عليها صاحب ((الفتح)) و((العمدة)) بذكره مرَّةً بعد: ((أنت نور)) مِن غير ذكر: <ومَن فيهنَّ>، ورأيت في بعضِ الأصول المعتمدة ذكره مرَّةً قبل: ((أنت نور))، فليُحرَّر.
          (ولكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحقُّ): أي: المتحقِّق الواجب الوجود بلا شكٍّ، مِن حقَّ الشَّيء: ثبت، قال القرطبيُّ: وهذا الوصفُ له تعالى بالحقيقة والخصوصيَّة؛ إذ وجوده تعالى بذاتهِ لم يسبقه عدمٌ ولا يلحقه ذلك بخلاف غيره، وقال ابن التِّين: يحتمل أنَّ معناه: أنت الحقُّ بالنِّسبة إلى مَن يدَّعي فيه أنَّه إلهٌ، أو معناه: مَن سمَّاك إلهاً فقد قال الحقَّ.
          (وَوَعْدُكُ الحَقُّ): أي: الثَّابت المتحقِّق، فلا شكَّ في وقوعهِ ولا يدخله خلفٌ، وعُرِّف ((الحقُّ)) في الموضعَين، قال الطِّيبيُّ: لإفادة الحصر فيهما؛ لأنَّ اللهَ هو الحقُّ الثَّابت الباقي، وما سواهُ في معرض الزَّوال، قال لبيدٌ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ                     وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
          وكذا وعدُه مختصٌّ له بالإنجاز دون وعدِ غيره، ونكَّره في الباقي للتَّعظيم، قال السُّهيليُّ: دخلت اللَّام في: ((أنت الحقُّ)) للدِّلالة على أنَّه المستحِقُّ لهذا الاسم بالحقيقة؛ إذ هو مقتضَى هذه الأداة، وكذا في: ((وعدك الحقُّ)) لأنَّ وعدَه كلامه، وتُرِكَت في الجنَّة والنَّار واللِّقاء؛ لأنَّها أمورٌ محدَثةٌ، والمحدَثُ لا يجب له البقاءُ من جهة ذاتهِ، وبقاء ما يدوم منه عُلم بالخبر الصَّادق لا من جهة استحالة فنائه. انتهى، وأورد عليه في ((المصابيح)): ((وقوله الحقُّ)) فإنَّ قوله تعالى كوعده فيما ذكر، ولذا عُرِّف في رواية مسلمٍ، قال شيخ الإسلام: ويُجاب: بأنَّ المراد بالوعد: مدلوله، وهو لا يتغيَّر بنسخٍ أو غيره، وبالقولِ / الإخبار، وهو يتغيَّر بالنَّسخ ولهذا قال الأصوليُّون: يجوز نسخُ الإخبار بشيءٍ بالإخبار بنقيضهِ، لا نسخ مدلول الخبر. انتهى.
          (ولِقَاؤُكَ حَقٌّ): أي: رؤيتُك في الآخرة ثابتةٌ حيث لا مانع منها كما في الكفَّار والمنافقين، أو لقاء جزائك بالخير أو الشَّر أو البعث بعد الموت واللِّقاء وما بعده داخلٌ تحت الوعد، لكنَّ الوعد مصدرٌ، وما بعده الموعود به، أو هو تخصيصٌ بعد تعميمٍ، كما أنَّ القول بعد الوعد تعميمٌ بعد تخصيصٍ، وقيل: لقاؤك الموت، وأبطله النَّوويُّ.
          (وقَوْلُكَ): أي: مدلوله (حَقٌّ): أي: صدقٌ، قال الكرمانيُّ: فإن قلت: القول يوصف بالصِّدق _أي: والكذب_ يُقال: قول صدقٍ وكذبٍ، ولهذا قيل: الصِّدق بالنَّظر إلى القول المطابق للواقع، والحقُّ: بالنَّظر إلى الواقع المطابق للقول، قلتُ: قد يُقال أيضاً: قولٌ ثابتٌ، ثمَّ إنَّهما متلازمان.
          (والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ): فيه إشارةٌ إلى أنَّهما موجودتان الآن، قال:
وَالنَّارُ حَقٌّ أُوْجِدَتْ كَالْجَنَّة                     فَلَا تَمِلْ لِجَاحِدٍ ذِي جِنَّة
دَاْرُ خُلُوْدٍ لِلسَّعِيدِ وَالشَّقِي                     مُعَذَّبٌ مُنَعَّمٌ مَهْمَا بَقِي
          وسيأتي تمام البحث فيهما في بَدءِ الخلق، ويحتملُ أنَّ المراد: ونعيم الجنَّة حقٌّ، وعذاب النَّار كذلك.
          (والنَّبِيُّونَ): بأجمعهم (حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صلعم حَقٌّ): أي: وجود مَن ذكر أو ما جاؤوا به حقٌّ ثابتٌ، خصَّ محمَّداً بالذِّكر تعظيماً له وإيذاناً بالتَّغاير؛ لأنَّه فاقَ عليهم بأوصافٍ مختصَّةٍ به، ومبالغةً في إثبات نبوَّته كما في التَّشهُّد.
          (والسَاعَةُ حَقٌّ): أي: يوم القيامة أمرٌ ثابتٌ، وأصل السَّاعة: الحصَّة القليلة مِن اليوم أو اللَّيلة، ثمَّ استُعيرت للوقت الَّذي تقوم فيه القيامة، لكنَّها صارت حقيقيةً عرفيَّةً، وقال الطيبيُّ: وهاهنا سرٌّ دقيقٌ، وهو أنَّه صلعم لمَّا نظر إلى المقام الإلهيِّ ومقرَّبي حضرة الرُّبوبيَّة عظم شأنه وفخم منزلتِه حيث ذكر النَّبيِّين وعرَّفهم باللَّام الاستغراقيَّة، ثمَّ خصَّ محمداً مِن بينهم وعطفَهُ عليهم إيذاناً بالتَّغاير، وأنه فائقٌ عليهم بأوصافٍ مختصَّةٍ، فإن تغيُّر الوصفِ بمنزلةِ التَّغيُّر بالذَّات، ثمَّ حكم عليه استقلالاً بأنَّه حقٌّ، وجرَّده عن ذاته كأنَّه غيَّره وأوجب عليه تصديقه.
          ثمَّ إنَّ العبد لمَّا رجع إلى مقام العبوديَّة ونظر إلى افتقارِ نفسه نادى بلسان الاضطرارِ في مطاوي الانكسارِ فقال: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ): أي: انقدتُ لأمرك ونهيكَ خاضعاً لجلالك (وَبِكَ آمَنْتُ): أي: بوجودك صدَّقتُ، أو بما أنزلْتَ على رسولكَ صدَّقتُ (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ): أي: فوَّضت أمري إليك قاطعاً النَّظر عن الأسباب العاديَّة، متبرِّئاً عن حولي وقوَّتي (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ): أي: رجعتُ إليك مقبلاً بقلبي عليك.
          (وَبِكَ): أي: بما آتيتَنِي مِن البراهين والحُجَج (خَاصَمْتُ): مَن خاصَمَني مِن الكفَّار أو بتأييدك ونصرتِكَ قاتلْتُ (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ): أي: جعلتك الحَكَم بيني وبين كلِّ مَن أبى قَبولَ ما أرسلتني به، لا غيرك ممَّا كانت تحاكم إليه أهل الجاهليَّة من نحو صنمٍ وكاهنٍ ونارٍ، وقدَّم جميع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتَّخصيص وإفادةً للحصر.
          (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ): قبل هذا الوقتِ (وَمَا أَخَّرْتُ): عنهُ (وَمَا أَسْرَرْتُ): أي: أخفيتُ (وَمَا أَعْلَنْتُ): أي: أظهرتُ، وقيل: ما حدَّثت به نفسِي وما تحرَّك به لساني، قاله عليه السَّلام تواضعاً وإجلالاً لله تعالى، أو تعليماً لأمَّته، وتعقِّب في ((الفتح)) الأخير: بأنَّه لو كان للتَّعليم فقط لكفى فيه أمرُهم بأن يقولوا، قال: والأَولى: أنَّه لمجموع ذلك، زاد المصنِّف في التَّوحيد: ((وما أنت أعلمُ به منِّي))، وهو من ذكر العامِّ بعد الخاصِّ.
          (أَنْتَ / الْمُقَدِّمُ): أي: لي (وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ): أي: لي، فهما بكسر الخاء والدَّال، قال المهلَّب: أشار بذلك إلى نفسه عليه السَّلام؛ لأنَّه المقدَّم في البعث في الآخرة والمؤخَّر في البعث في الدُّنيا، ومثله قول ابن بطَّالٍ: معنى: ((أنت المقدِّم وأنت المؤخِّرُ)): أنَّه عليه السَّلام أُخِّر عن غيره في البعث، وقُدِّم عليهم يوم القيامة بالشَّفاعة وغيرها؛ أي: كدخول الجنَّة وبعثه من قبره، وقال ابن التِّين: أي: أنت الأوَّل وأنت الآخر. انتهى، ويحتملُ: أنت المقدِّم لكلِّ ما تقدِّمه في الدُّنيا والآخرة، وأنت المؤخِّر لهم كذلك، فلا معقِّب لحكمك، بل قد يُدَّعى أنَّه الأولى.
          (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ _أَوْ: لَا إِلَهَ غَيْرُكَ_): شكٌّ مِن الرَّاوي، ولفظ المصنِّف في الدَّعوات: ((أنتَ إلهي لا إلهَ لي غيرُك)) (قَالَ سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة بالإسناد السَّابق كما بيَّنه أبو نعيمٍ، وقيل: إنَّه معلَّقٌ، ولذا علَّم عليه المزِّيُّ علامة التَّعليق، لكن قال في ((الفتح)): إنَّه ليس بجيِّدٍ، وقال قبله أيضاً: ووهم مَن زعم أنَّه معلَّقٌ.
          (وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ): أي: ابن أبي المخارق البصريُّ، قال في ((الفتح)): وليس له في ((صحيح البخاريِّ)) إلَّا هذا الموضع، ولم يقصد البخاريُّ التَّخريج له، فلذلك لا يعدُّونه في رجاله، كما تقدَّم مثله للمسعوديِّ في الاستسقاء، وليس هو عبد الكريم الَّذي أخرج له الشَّيخان _كما قال ابن طاهرٍ_ حديثاً واحداً في الحجِّ، فإنَّ ذاك هو عبد الكريم الجزيريُّ. انتهى ملخَّصاً.
          (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ): ومثله في ((مسند الحميديِّ))، لكن بلفظ: ((ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ)).
          (قَالَ سُفْيَانُ): أي: ابن عيينة، وهو موصولٌ أيضاً كما في ((الفتح)) (قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: سَمِعَهُ) وللأصيليِّ: <سمعته> بتاء المتكلِّم (مِنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم): صرَّح سفيان بسماع سُليمان له من طاوسٍ؛ لأنَّه أورده قبلُ بالعنعنة، ولم يقل سليمان في روايتِه: ((ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ))، ووقع لأبي ذرٍّ وحده زيادة: <قال عليُّ بنُ خَشْرَم> بفتح الخاء وسكون الشِّين المعجمتين وفتح الرَّاء آخره ميمٌ، قبل: ((قال سفيان))...إلى آخره، قال في ((الفتح)): وليس ابنُ خشرمٍ من شيوخ المؤلِّف، نعم هو من شيوخ الفِربريِّ، فلعلَّ هذه الزِّيادة مِن روايته عنه.
          تنبيهٌ: هذا الحديث _كما قال الكرمانيُّ_ مِن جوامع الكلِم؛ لأنَّ لفظ القيِّم: إشارةٌ إلى أنَّ وجود الجواهر وقوامها منه، والنُّور: إلى أنَّ الأعراض أيضاً منه، والملك: إلى أنَّه حاكمٌ عليها إيجاداً وإعداماً يفعل ما يشاء، وكلُّ ذلك مِن نِعَم الله على عبادِهِ، فلهذا قرن كلًّا منها بالحمد، وخصَّص الحمد به، ثمَّ قوله: ((أنتَ الحقُّ)): إشارةٌ إلى المبدأ، والقول ونحوه: إلى المعاش، والسَّاعة ونحوها: إشارةٌ إلى المعاد.
          وفيه: الإشارة إلى النُّبوَّة وإلى الجزاء ثواباً وعقاباً، وفيه: وجوب الإيمان والإسلام والتوكُّل والإنابة والتَّضرُّع إلى الله والخضوعِ له والاستغفار وغيره. انتهى، وقال في ((الفتح)): وفيه: زيادة معرفة النَّبيِّ بعظمة ربِّه وعظيم قدرته، ومواظبته على الذِّكر والدُّعاء والثَّناء على ربِّه والاعتراف له بحقوقه، والإقرار بصدق وعْدِه ووعيدِه، وفيه: استحباب تقديم الثَّناء على المسألة.