الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الدعاء والصلاة من آخر الليل

          ░14▒ (بَابُ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ): ولأبي ذرٍّ: <باب الدُّعاء في الصَّلاة> فعلى الأوَّل: التَّرجمة لشيئين.
          تنبيهٌ: آخر اللَّيل: الثُّلث الأخير منه، و((مِن)) ابتدائيَّةٌ بتقدير مضافٍ؛ أي: ما ذكر مبتدأٌ مِن أوَّل آخر اللَّيل، أو ((من)) بمعنى: في، وهي في نسخةٍ كذلك.
          (وَقَالَ اللَّهُ): ولأبوي ذرٍّ والوقت: <وقول الله>، وللأصيليِّ: <╡>، وفي بعض النُّسخ: <تعالى> ({كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}): زاد الأصيليُّ: <أي: ما ينامون> وللحموي: <{مَا يَهْجَعُونَ}> و(({مَا})) زائدةٌ، و(({قَلِيْلًا})) ظرفٌ أو صفةٌ للمصدر؛ أي: هجوعاً قليلاً، أو مصدريَّةٌ أو موصولةٌ؛ أي: ينامون، ولابن عساكر: <ما ينامون>، وللأصيليِّ: <{يَهْجَعُونَ}...الآية>.
          قال في ((الفتح)): ذكر الطَّبريُّ وغيره الخلافَ عن أهل التَّفسير في ذلك، فنقل ذلك عن الحسن والأحنف والنخعيِّ وغيرهم، ونقل عن قتادة ومجاهدٍ وغيرهما أنَّ معناه: كانوا لا ينامونَ حتَّى الصَّباح لا يهجعون، ثمَّ ذكر أقوالاً أُخَر، ورجَّح الأوَّل؛ لأنَّ الله وصفهم بذلك مادحاً لهم بهذا العمَلِ، وعلى هذا يكون {مَا} زائدةٌ أو مصدريَّةٌ، وعلى الآخرِ تكون {مَا} نافيةٌ، قال الخليلُ: هَجَع هُجُوعاً، وهو النَّوم ليلاً، وفي ((المحكم)): قد يكون الهجوعُ بغير نومٍ، ولذا اختلف المفسِّرون في تفسير: {يَهْجَعُونَ}، فتأمَّل.
          أي: كانوا قليلاً مِن اللَّيل هجوعهم أو الَّذي يهجعون فيه، وارتفاعه بـ{قَلِيْلًا} على الفاعليَّة، ولا يجوز جعل {مَا} نافيةً؛ لأنَّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، و{قَلِيْلًا} إذا كان ظرفاً متعلِّقٌ بـ{يَهْجَعُونَ} خبر: {كَانُوا} و{مِنَ اللَّيْلِ} صفة: {قَلِيلًا} أو متعلِّقٌ بـ{يَهْجَعُونَ}، وعلى جعل {مَا} مصدريَّةً أو موصولةً فـ{مِنَ اللَّيْلِ} بيانٌ أو حالٌ مِن المصدر و{مِنَ} للابتداء.
          قال في (الكشَّاف)): وفيه مبالغات لفظ الهجوع، وهو القليلُ من النَّوم، وقليلاً من الليلِ الَّذي هو وقت الرَّاحة وزيادة {مَا} المؤكِّدة.
          ({وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}): أي: أنَّهم مع قلَّة هجوعهم وكثرة تهجُّدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار / كأنَّهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، وسقط للأصيليِّ: <{وَبِالَأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}>، قال الواحديُّ في ((الوسيط)): إنَّها نزلت في ثلاثين مِن نصَارى نجران، نقلها المجد.