الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع

          ░24▒ (بَابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ): أي: وذلك فيما إذا كان في الحديث فائدةٌ، كإيناس أهلٍ أو ضيفٍ، الظَّاهر أنَّ: ((مَن)): موصولةٌ أو موصوفةٌ، فـ((باب)) غير منوَّنٍ لإضافته إليها، ويحتملُ جعلها شرطيَّةً، فـ((باب)) منوَّنٌ، ويكون جوابها محذوفاً نحو: كفاه؛ أي: في حصول سنَّة الفصل بين الفرض والنَّفل.
          و((تَحدَّث)): بتشديد الدَّال المهملة وفتح الفوقيَّة أوله، ماضٍ بمعنى تكلَّم بأيِّ حديثٍ كان ولو بدنيويٍّ عند الشافعيَّة، ولا يسقط ثوابها ولا ينقص النَّافلة خلافاً للحنفيَّة في الثَّاني، و((بعد)): متعلِّقٌ بـ((تحدَّث))، و((الرَّكعتين)) سنَّة الفجر، فاللَّام للعهد، وجملة: ((ولم يضطجع)) معطوفة على: ((تحدَّث)) أو حاليَّةٌ.
          قال في ((الفتح)): أشار بهذه التَّرجمة إلى أنَّه صلعم لم يكن يداوم على الضِّجعة، وبذلك احتجَّ الأئمَّة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره؛ أي: مِن نحو قوله صلعم: ((إذا صلَّى أحدكم الرَّكعتين قبل الصُّبحِ فليضطجعْ)) على الاستحباب، وفائدة ذلك: الرَّاحة والنَّشاط لصلاة الصُّبح، وعلى هذا فلا يستحبُّ ذلك إلَّا للمتهجِّد، وبه جزم ابن العربيِّ، ويشهد له ما أخرجه عبد الرَّزَّاق أنَّ عائشة كانت تقول: إنَّ النبيَّ صلعم لم يضطجع لسنَّته، ولكنَّه كان يدأب ليلةً فيستريح، لكن في إسناده راوٍ لم يُسمَّ.
          وقيل: إنَّ فائدتها الفصل بين ركعتَي الفجر وصلاة الصُّبح، وعلى هذا فلا اختصاص لها، ومِن ثمَّ قال الشافعيُّ: تتأدَّى السُّنَّة بكلِّ ما يحصل به الفصلُ مِن مشيٍ وكلامٍ وغيره، حكاه البيهقيُّ، وقال النَّوويُّ: المختار أنَّه سنَّةٌ لظاهر حديث أبي هريرة، وقد قال أبو هريرة راوي الحديث: إنَّ الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي، وأفرط ابن حزمٍ فقال: يجب على كلِّ أحدٍ، وجعله شرطاً لصحَّة صلاة الصُّبح، وردَّه عليه العلماء بعده، حتَّى طعن ابن تيمية ومَن تبعه في صحَّة الحديث لتفرُّد عبد الواحد بن زيادٍ به، وفي حفظه مقالٌ، والحقُّ أنَّه تقوم به الحجَّةُ.
          ومَن ذهب إلى أنَّ المراد به الفصل لا يتقيَّد بالأيمن، ومَن أطلق قال: يختصُّ ذلك بالقادر، وأمَّا غيره فهل يسقط الطَّلب أو يومئ بالاضطجاع أو يضطجع على الأيسر؟ لم أقف فيه على مقالٍ إلَّا أنَّ ابن حزمٍ قال: يومئ ولا يضطجع أصلاً، ويُحمَل الأمر به على النَّدب. انتهى.
          وتقدَّم الكلام عليها في الباب قبله بأبسط.