نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الدعاء للمشركين

          ░59▒ (باب الدُّعاء لِلْمُشْرِكِينَ) قد تقدمت هذه التَّرجمة في ((كتاب الجهاد))، لكن قال: ((باب الدُّعاء للمشركين بالهدي ليتألفهم)) [خ¦56/100-4598]، ثمَّ أخرج حديث أبي هريرة الَّذي هو حديث الباب، فوجه الجمع بين البابين أعني باب ((الدُّعاء على المشركين))، وباب ((الدُّعاء للمشركين)) أنَّ في الأول مطلق الدُّعاء عليهم لأجل تماديهم على كفرهم، وإيذائهم للمسلمين، وفي الثَّاني الدُّعاء بالهداية ليتألَّفوا بالإسلام.
          فإن قيل: جاء في حديثٍ آخر: ((اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون)) [خ¦3477]. أجيب: أنَّ معناه: اهدهم إلى الإسلام الَّذي يصحُّ معه المغفرة؛ لأنَّ ذنب الكفر لا يغفرُ أو يكون المعنى: اغفرْ لهم إن أسلموا.
          وحكى ابن بطَّال: أنَّ الدُّعاء للمشركين ناسخٌ للدُّعاء على المشركين، ودليله قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] قال: والأكثر على أن لا نسخَ، وأنَّ الدُّعاء على المشركين جائزٌ، وإنَّما النَّهي عن ذلك في حقِّ من يرجى تألُّفهم، ودخولهم في الإسلام.
          ويحتمل في التَّوفيق بينهما: أنَّ الجواز حيث يكون في الدُّعاء ما يقتضي رجوعهم وزجرهم عن تماديهم على الكفر، والمنع حيث يقع الدُّعاء عليهم بالهلاك على كفرهم.