نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وصل عليهم}

          ░19▒ (بابُ) ذكر (قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]) كذا في رواية الجمهور، ووقع في بعض النُّسخ زيادة: <{إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}> واتَّفقوا على أنَّ المراد بالصَّلاة هنا: الدُّعاء، ومعناه: ادع لهم واستغفر. ومعنى: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] أي: إنَّ دعواتك تثبيتٌ لهم وطمأنينة، وثالث أحاديث الباب يفسِّر ذلك [خ¦6333]، ومن ذلك المعنى قوله تعالى: {وصلوات الرَّسول} [التوبة:99] فقد فسَّر الصَّلوات أيضاً بالدَّعوات؛ لأنَّه صلعم كان يدعو لمن يتصدَّق.
          (وَ) ذكر (مَنْ خَصَّ أَخَاهُ) أي: المسلم أو من النَّسب (بِالدُّعاء) دون نفسه فيه إشارةٌ إلى ردِّ ما جاء عن ابن عمر ☻ أخرجه ابن أبي شيبة، والطَّبري من طريق سعيد بن يسار قال: ((ذكرتُ رجلاً عند ابن عمر ☻ / فترحَّمتُ عليه، فلمزَ في صدري وقال لي: ابدأ بنفسك)).
          وعن إبراهيم النَّخعي كان يقول: إذا دعوتَ فابدأ بنفسك، فإنَّك لا تدري في أيِّ دعاءٍ يستجاب لك، وأحاديث الباب تردُّ على ذلك، ويؤيِّدها ما أخرجه مسلمٌ وأبو داود من طريق طلحة بن عبيد الله، عن أمِّ الدرداء عن أبي الدَّرداء رفعه: ((ما من مسلمٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب إلَّا قال الملك: ولك مثل ذلك)).
          وأخرج الطَّبري من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس ☻ رفعه: ((خمس دعواتٍ مستجابات _وذكر فيها_ ودعوة الأخ لأخيه)) هكذا استدلَّ بهما ابن بطَّال وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الدُّعاء بظهر الغيب، ودعاء الأخ للأخ أعمُّ من أن يكون الدَّاعي خصَّه، أو ذكر نفسه معه، وأعمُّ من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه.
          وأمَّا ما أخرجه التِّرمذي من حديث أُبيِّ بن كعبٍ ☺ رفعه: ((أنَّ النَّبي صلعم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه)) وهو عند مسلمٍ في أوَّل قصَّة موسى والخضر ♂ ولفظه: ((كان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأَ بنفسه)). فيؤيِّد هذا القيد أنَّه صلعم دعا لغير نبيٍّ فلم يبدأ بنفسه؛ لقوله في قصَّة هاجر الماضية في ((المناقب)): ((يرحمُ الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً)) [خ¦3362]. وقد تقدَّم حديث أبي هريرة ☺: ((اللَّهمَّ أيِّده بروح القدس)) [خ¦453] يريد حسَّان بن ثابت ☺، وحديث ابن عبَّاس ☻ : ((اللَّهمَّ فقهه في الدِّين)) [خ¦143] وغير ذلك من الأمثلة مع أنَّ الَّذي جاء في حديث أُبيٍّ ☺ لم يَطَّرد، فقد ثبتَ أنَّه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه، كما مرَّ في ((المناقب)) من حديث أبي هريرة ☺: ((يرحمُ الله لوطاً كان يأوي إلى ركنٍ شديد)) [خ¦3372]. وقد أشار المصنِّف إلى الأوَّل بسادس أحاديث الباب [خ¦6335]، وإلى الثَّاني بالذي بعده [خ¦6336].
          (وَقَالَ أَبُو مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعري ☺ (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ) أبي موسى (ابْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ) هذا طرفٌ من حديث لأبي موسى تقدَّم بطوله في ((غزوة أوطاس)) من ((المغازي)) [خ¦4323]، وفيه / قصَّة قتل أبي عامر وهو عمُّ أبي موسى الأشعري، وفيه قول أبي موسى للنَّبي صلعم : ((إنَّ أبا عامرٍ قال له: قل للنَّبي صلعم استغفر لي، قال: فدعا بماءٍ فتوضأ، ثمَّ رفع يديه، فقال: اللَّهمَّ اغفر لعبيدٍ أبي عامر)) وفيه فقلت: ((ولي فاستغفرْ، فقال: اللَّهمَّ اغفر لعبد الله بن قيسٍ ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً)).