نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: شقيت إن لم أعدل

          3138- (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) قال: (حَدَّثَنَا قُرَّةُ) بضم القاف وتشديد الراء، هو: ابن خالد، أبو محمَّد السَّدوسي البصري، قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ☻ ) أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلعم يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ) هو: بكسر الجيم وتخفيف العين الساكنة وقد تكسر وتشديد الراء: موضعٌ قريب من مكَّة من الحل، وهي ميقاتُ الإحرام، وكانت القِسمةُ بالجعرانة قسمةَ غنائم هوازن، وكانت الغنيمة ستة آلافٍ من الذَّراري والنِّساء، ومن الإبل والشَّاء ما لا يُدْرَى عدَّتُه، ويقال: عدة الإبل أربعة وعشرون ألف بعير، وعدَّة الغنم أكثر من أربعين ألف شاةٍ، ومن الفضَّة أربعة آلاف أوقية.
          وقال الواقدي: أصاب كلَّ رجلٍ أربعٌ من الإبل وأربعون شاة، وعن سفيان بن عيينة عن رافع بن خديج: أنَّ رسول الله صلعم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الإبل، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وصفوان بن أمية مائة، وعيينة بن حصين مائة، والأقرع بن حابس مائة، وعلقمة بن علاثة مائة، ومالك بن عوف مائة، والعباس بن مرداس دون المائة، وقصَّتهم مشهورة.
          (إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ) جواب بينما، والرَّجل الذي قال له اعدل: هو ذو الخويصرة التَّميمي، كما ذكره ابن إسحاق رجلٌ من بني تميم. وفي رواية قال: ((هذه قسمةٌ ما أُريد بها وجهُ الله)) وسيأتي حديث أبي سعيدٍ ☺ مطولاً: ((بينما نحن عند رسول الله صلعم ، وهو يقسم إذ أتاه ذو الخويصرة رجلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل))، الحديث.
          (فَقَالَ) صلعم : (لَهُ: لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ) بضم المثناة الفوقية في رواية الأكثرين، ومعناه ظاهرٌ ولا محذور فيه، / والشَّرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنَّه ليس ممَّن لا يعدل حتَّى يحصل له الشَّقاء، بل هو عادلٌ فلا يشقى.
          وحكى القاضي عياض: فتح التاء على الخطاب، ورجَّحه النَّووي، والمعنى على هذا: لقد شقيتَ؛ أي: ضللت أنت أيُّها التَّابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمنٍ.
          وقال الذَّهبي: القائل يا رسول الله اعدلْ بنا: هو حرقوص بن زهير رأس الخوارج، قتل في الخوارج يوم النَّهر.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من حيث إنَّه لمَّا كان التَّصرف في الفيء والأنفال والغنائم والأخماس للنَّبي صلعم .
          وفي الحديث: ذكر قسمة الغنائم؛ فحصلت المطابقة بينهما، ثمَّ إنَّه قد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فقال: عن قرة، عن أبي الزُّبير بدل: عَمرو بن دينار، أخرجه مسلمٌ وسياقه أتمُّ، ورواية البخاري أرجح، فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمر عند الإسماعيلي، والنَّضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتِّفاق هؤلاء الحفاظ الثَّلاثة أرجحُ من انفراد زيد بن الحباب عنهم.
          ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة عن شيخين بدليل أنَّ في رواية أبي الزُّبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرَّة عن عمرو، وسيأتي بقيَّة الكلام على الحديث في استتابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيدٍ ☺ إن شاء الله تعالى [خ¦6933].