نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما ذكر من درع النبي وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه

          ░5▒ (بابُ مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صلعم وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ) أي: من المذكور الذي ذُكِرَ (مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ) يعني: لا على طريقة قسمة الصَّدقات؛ إذ لا خفاء أنَّ المراد منها هو قسمة التَّركات، والغرضُ من هذه الترجمة إثبات أنَّه صلعم لم يُوْرَثْ ولم بِيْعَ موجودُه، بل تُرِكَ بيد من صار إليه للتبرُّك به ولو كان ميراثاً لقسم، ولهذا قال بعد ذلك: ممَّا لم يذكر قسمته.
          (وَمِنْ شَعَرِهِ) أي: وما ذكر من شعر النَّبي صلعم (وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ) من عطف العام على الخاص بعد ذكر القدح (مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ) أي: به، وحذفه / للعلم به، كذا للأَصيليِّ من التبرُّك من البركة، وفي رواية أبي ذرٍّ بالشين المعجمة، من الشركة وهو ظاهرٌ، وفي رواية الكُشْمِيْهَنيِّ: <مما يتبرَّك به أصحابه>، وهو يؤيِّد رواية الأَصيلي.
          وقال المهلَّب: إنَّه إنَّما ترجم بذلك ليتأسَّى به ولاة الأمور في اتِّخاذ هذه الالآت، وفيه نظر، وما تقدَّم هو الأولى والأليق لدخوله في أبواب الخُمُس.
          واعلم أنَّ هذه الترجمةَ مشتملةٌ على تسعة أجزاء، وفي الباب ستة أحاديث:
          الأوَّل: فيه ذكر الخاتم، الثاني: فيه ذكر النَّعل، الثالث: فيه ذكر الكساء والأزرار، ولم يصرح بها في الترجمة، الرابع: فيه ذكر القدح، الخامس: فيه ذكر السَّيف، السادس: فيه ذكر الصَّدقة التي كان ذَكَرَها في النَّفقة ولم يذكر ما يطابق درعه، ولا ما يطابق عصاه ولا ما يطابق شعره، ولا ما يطابق آنيته، أمَّا الدرع فلعلَّه أراد أن يَكْتُبَ حديث عائشة ♦ ((أنَّه صلعم توفِّي ودرعه مرهونة))، فلم يتَّفق له ذلك، وقد سبق في البيوع والرهن، وقد ذكر في كتاب الجهاد أيضاً في باب ما قيل في درع النَّبي صلعم [خ¦2916].
          وأمَّا العصا فلعلَّه أراد أن يَكْتُبَ حديث ابن عباس ☻ : ((كان يستلم الركن بمِحْجَنٍ))، وقد مضى في ((الحج)) [خ¦1607]، وقد ذكروا أنَّه كانت له مَخْصرةٌ تسمَّى: العرجون، وهي كالقضيب يستعملها الأشراف للتَّشاغل بها في أيديهم ويحكُّون بها ما بعد من البدن، وكان له قضيبٌ من شَوْحط يسمَّى الممشوق، وكان له عسيبٌ من جريد النَّخل، وأمَّا الشَعَر فلعلَّه أراد أن يكتبَ فيه حديث أنسٍ ☺ الماضي في ((الطَّهارة)) [خ¦170] في قول ابن سيرين ((عندنا شعر من شعر النَّبي صلعم )) صار إليه من قبل أنس ☺، وفي صحيح مسلم أنَّ الحلَّاق لمَّا حلق النَّبي صلعم بمنى كان يُعطيه الناس. وفي رواية أحمد عن أنس ☺ قال: ((رأيت رسول الله صلعم والحلَّاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه ما يريدون / أن يقعَ شعره إلَّا في يد رجلٍ)).
          وأمَّا آنيته صلعم فكثيرة ذكرها أصحاب السير، منها: قدر من حجارة تدعى المخضب يتوضأ فيه. ومخضبٌ آخر من شنَّة يكون فيه الحنَّاء والكتْم يوضع على رأسه إذا وجد فيه حرًّا، وكان له مغسل من صُفْرٍ، وكانت له ركوة تسمَّى: الصادرة، وكان له طشت من نحاس وقدح من زجاج، وكانت له جفنة عظيمة يُطْعِمُ فيها الناس يحملها أربعة تسمَّى: الغرَّاء، ولم يذكر في الباب من الآنية سوى القدح، وفيه كفايةٌ لأنَّه يدل على ما عداه.