نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته

          ░17▒ (باب / وَمِنَ الدَّلِيلِ على الْخُمُسَ لِلإِمَامِ) قد مرَّ توجيه هذا عند قوله: باب ومن الدَّليل على أنَّ الخمس لنوائب المسلمين، وحاصله: أنَّه لا تفاوت في المعنى، إذ نوائب رسول الله صلعم هي نوائب المسلمين، ولا شكَّ أنَّ التَّصرف فيه له صلعم ولمن يقوم مقامه.
          (وَأَنَّهُ يُعْطِي) عطف على أنَّ الخمس؛ أي: وعلى أنَّه يعطي (بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ) وقوله: (مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلعم ) مبتدأ خبره قوله: ومن الدَّليل، مقدماً، وقوله: (لِبَنِي الْمُطَّلِبِ) متعلِّق بقوله: قسم، وهذا المطَّلب هو: عمُّ عبد المطَّلب جدُّ رسول الله صلعم (وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ) وقد كان المطَّلب وهاشم ونوفل وعبد شمس كلُّهم أولاد عبد مناف (قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) هو: الخليفة المنعوت بالعدل والإنصاف (لَمْ يَعُمَّهُمْ) أي: لم يعمَّ قريشاً (بِذَلِكَ) أي: بما قسمه (وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيباً دُونَ مَنْ أَحْوَجُ إِلَيْهِ) أي: من هو أحوج إليه.
          قال ابن مالكٍ: فيه حذف العائد على الموصول وهو قليلٌ، ومنه قراءة يحيى بن يعمر: ▬تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ↨ بضم النون؛ أي: الذي هو أحسن. قال: وإذا طال الكلام فلا ضعف، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84] ؛ أي: وفي الأرض هو إله، وفي بعض النُّسخ: <دون من هو أحوج إليه> فعلى هذا لا يحتاج إلى التَّكلف المذكور، ثمَّ قوله: أحوج: من أحوجه إليه غيره وأحوج أيضاً بمعنى احتاج.
          (وَإِنْ كَانَ الَّذِي أُعْطِيَ) على البناء للمفعول؛ أي: وإن كان الذي أُعْطِيَ أَبْعَدَ قرابةً ممَّن لم يُعْطَ، ففي هذا اختصار اقتضى توفقاً في فهمه، وسياقه عند عمر بن شبة في «أخبار المدينة» موصولاً مطولاً، وقسم لهم قسماً لم يعمَّ عامتهم، ولم يخصَّ به قريباً دون من هو أحوج منه، ولقد كان / يومئذٍ فيمن أُعْطِيَ مَنْ هو أَبْعَدُ قرابةً؛ أي: ممَّن لم يُعْطَ، ويُرْوى: بفتح همزة أن، والكسر هو الأكثر رواية، والأظهر دراية، فافهم.
          (لِمَا يَشُكُّو إِلَيْهِ) تعليل لعطية الأبعد قرابة، ويشكُّو، بتشديد الكاف، من التَّشكي من باب التَّفعل، ويروى: <لما يشْكُو> من شَكَا يَشْكُو شِكَاية.
          (مِنَ الْحَاجَةِ، وَلِمَا مَسَّهُمْ) عطف على لما الأولى، ويروى: <مسَّتهم> بتاء التأنيث بتأويل الشِّدة (فِي جَنْبِهِ) في جانبه وجهته صلعم ، ويروى: <في حينه>؛ أي: زمانه.
          (مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ) أي: وحلفاء قومهم، بالحاء المهملة، جمع حليف، وأشار بذلك إلى ما لقي النَّبي صلعم وأصحابه بمكَّة من قريشٍ بسبب الإسلام من الأذى والشِّدة.
          قال الكِرمانيُّ: فإن قلت: ما المفهوم منه؟ أنَّه أعطاهم لقرابتهم، كما يقول الشَّافعي، أو لفقرهم كما يقول الحنفي؟
          قلت: ((دون)) إمَّا بمعنى غير، فمعناه: لم يعمَّ جميع الأقرباء من نوفل وغيرهم، ولم يخصَّ أيضاً قريباً إلَّا المحتاجين منهم، وإن كان الذي أعطاه منهم لأجل شكايتهم إليه من الحاجة، ولأجل ما مسَّهم من البأس أبعد قرابةً وعليه الحنفيَّة، وإمَّا بمعنى عند؛ أي: لم يخصَّ قريباً محتاجاً، وإن كان الذي أعطاه قد أُعْطِيَ لأجل الشِّكاية وعليه الشَّافعية.