نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز

          ░16▒ (بابٌ) بالتنوين (إِذَا تَصَدَّقَ) شخص (أَوْ أَوْقَفَ بَعْضَ مالِهِ، أوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ) من باب عطف الخاصِّ على العامِّ (أَوْ دَوَابِّهِ، جَازَ) أمَّا إذا تصدَّق ببعض ماله فلا خلاف فيه أنَّه يجوز، وكذا إذا تصدَّق بكلِّ ماله فإنَّه يجوز.
          واتَّفق مالك والكوفيُّون والشافعيُّ وأكثر العلماء على أنَّه يجوز للصَّحيح أنَّه يتصَّدق بكلِّ ماله في صحَّته إلَّا أنَّهم استحبُّوا أن يبقي لنفسه منه ما يعيش به خوف الحاجة، وما يتَّقي من الآفات مثل الفقر وغيره، فإنَّ آفات الدُّنيا كثيرة وربَّما يطول عمره ويحصل له العمى والزَّمانة مع الفقر، لقوله صلعم : ((أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك))، ويروى: ((أمسك عليك ثلث مالك)) فحضَّ على الأفضل.
          وقال ابن التِّين: ومذهب مالك أنَّه يجوز إذا كان له صناعة أو حرفة يعود بها على نفسه وعياله وإلَّا فلا ينبغي له ذلك. وأمَّا إذا وقف بعض ماله فهو وقف المشاع، فإنَّه يجوز عند أبي يوسف والشَّافعي ومالك؛ لأنَّ القبض ليس بشرط عندهم، وعند محمد لا يجوز وقف المشاع فيما يقبل القسمة؛ لأنَّ القبضَ شرط عنده.
          وأمَّا وقف بعض رقيقه فإنَّ فيه حكمين:
          أحدهما: أنَّه / مشاع، والحكم فيه ما ذكر، والآخر: أنَّه وقف المنقول، فيجوز عند مالك والشَّافعي وأحمد، وبه قال محمد بن الحسن فيما يتعارف وقفه.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: هذه التَّرجمة معقودة لجواز وقف المنقول، والمخالف فيه أبو حنيفة. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ المذهب فيه تفصيل فلا يقال: المخالف فيه أبو حنيفة جزافاً، أمَّا مذهب أبي حنيفة فإنَّه لا يرى بالوقف أصلاً، فضلاً عن صحَّة وقف المنقول.
          وأمَّا مذهب أبي يوسف ومحمد فإنَّهما يريان وقف المنقول بطريق التَّبعيَّة كآلات الحرث والثِّيران (1) وعبيد الأكرة تبعاً للضيعة كالبناء يصحُّ وقفه تبعاً للأرض لا وحده، وأمَّا المنقول بغير التَّبعيَّة كوقف الفأس والطِّشت ونحو ذلك فإنَّه يجوز عند محمد للتَّعارف، والله أعلم.


[1] جمع ثور.