الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه

          ░46▒ (باب: هَل يَأْمُر الإِمَام رَجلًا فيَضْرِب الحَدَّ غائبًا عنه...) إلى آخره
          هذه التَّرجمة بظاهرها مكرَّرة بما سبق مِنْ (باب: مَنْ أمرَ غيرَ الإمام بإقامة الحدِّ غائبًا عنه) وقد اعترف ابن بطَّالٍ باتِّحاد معنى التَّرجمتين كما تقدَّم هناك.
          وتقدَّم أيضًا ما قالَ الحافظُ مِنْ أنَّ بينهما تغايرًا مِنْ جهة أنَّ قوله في الأوَّل: (غائبًا عنه) حالٌ مِنَ المأمور وهو الَّذِي يقيم الحدَّ، وفي الآخر حالٌ مِنَ الَّذِي يُقام عليه الحدُّ. انتهى.
          لكنَّ فيه أنَّ المذكور تحت التَّرجمتين حديثٌ واحد، ويظهر مِنْ كلام القَسْطَلَّانيِّ أنَّه فرَّق بينهما بأن جعل التَّرجمة الأولى عامَّة حيث قال هناك: حال كون الغير أو المقام عليه الحدُّ / (غائبًا عنه) وقال هاهنا: (باب: هل يأمر الإمام رَجلًا فيضرب الحدَّ) رَجلًا وجب عليه الحدُّ(1) حال كونه (غائبًا عنه) أي: عن الإمام بأن يقول له: اذهب إلى فلان الغائب فأقم عليه الحدَّ. انتهى.
          فجعل قوله: (غائبًا) حالًا عن المُقام عليه الحدُّ.
          والظَّاهر عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ في الفرق بين التَّرجمتين مِنْ حيثُ أنَّ(2) الآمر هاهنا الإمامُ بخلاف ما سبق، والاستدلال في التَّرجمة السَّابقة بأوَّل الحديث وهاهنا بآخره. ثمَّ رأيت «الفيض» فإذا فيه: المقصود في تلك التَّرجمة بيان أنَّ الإمام هل له ولاية على تولية غيره لإقامة الحدِّ؟ وكأنَّ(3) المقصود في ما(4) سبق هو حال الغير، أي: هل للغير إقامة الحدِّ عند غيبوبة الإمام إذا كان ولَّاه عليها، ولذا لَفَّ الفاعل هاهنا، ولم يصرِّح أنَّ الآمر مَنْ هو؟ وإن كان الآمر في الخارج هو الإمام، إلَّا أنَّ الغرض فيه لم يكن إلَّا حال المأمور، بخلافه في تلك التَّرجمة، فإنَّ المحطَّ بيانُ حال الإمام، ولذا صرَّح به، وقال: وهل يأمر الإمام؟ وحينئذٍ يختلف الجوابُ فيهما أيضًا، فجواب التَّرجمة السَّابقة أنَّه يجوز للغير إقامة الحدِّ إذا كان الإمام أمره به، كما أقامه أنيس في قصَّة العسيف، وجواب تلك التَّرجمة: أنَّ للإمام ولايةً لتولية الغير عليها، كما ولَّى النَّبيُّ صلعم على إقامة الحدِّ. انتهى.
          ثمَّ البراعةُ عندي في قوله: (فارجمها، فرجمها).


[1] قوله: ((الحد)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((إن)).
[3] في (المطبوع): ((وكان)).
[4] في (المطبوع): ((فيما)).