الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله

          ░40▒ (باب: مَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِه رَجُلًا فَقَتَله...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: كذا أطلق ولم يبيِّن الحكم، وقد اختُلف فيه، فقال الجمهور: عليه القَوَد، وقال أحمد وإسحاق: إن أقام بيِّنة أنَّه وجده مع امرأته هُدر دمُه، وقالَ الشَّافعيُّ: يسعه فيما بينه وبين الله قتلُ الرَّجل إن كان ثيِّبًا، وعَلم أنَّه نال منها ما يوجب الغسل، ولكن لا يسقطُ عنه القَوَد في ظاهر الحكم. انتهى.
          وهكذا ذكر المذاهبَ العلَّامة العينيُّ، ولم يصرِّح بمذهب الحنفيَّة في ذلك.
          وفي هامش «الفيض»: وسمعت مِنَ الشيخ أنَّ مَنِ ابتُلي بمثله فقَتلَ الزَّانيَ لا يؤاخذ به عند ربِّه، يباح له أن يقتله فيما بينه وبين الله ╡، وإن كان حكمُ القضاء القصاصَ إذا لم يأتِ عليه ببيِّنة، وبذلك صرَّح النَّوويُّ مِنْ مذهبه في «شرح مسلم» في باب: اللِّعان. انتهى.
          وقلت: ولفظ النَّووي في «شرح مسلم» هكذا: قد اختَلف العلماء فيمن قتل رجلًا وزعم أنَّه وجده قد زنا بامرأته، فقال جمهورهم: لا يُقبل قوله، بل يلزمه القصاص إلَّا أن يقوم بذلك بيِّنة، أو يعترف به ورثة القتيل، والبيِّنة أربعة مِنْ عدول الرِّجال يشهدون على نفس الزِّنا، ويكون القتيل محصنًا، وأمَّا فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقًا فلا شيء عليه، وقال بعض أصحابنا: يجب على كلِّ مَنْ قتل زانيًا محصنًا القصاصُ، ما لم يأمر السُّلطان بقتله، والصَّواب الأوَّل. انتهى.
          قلت: وقد وجدتُ المسألة مصرَّحًا بها في فروع الحنفيَّة، ففي «الدُّرِّ المختار» في أبواب التَّعزير: ويكون التَّعزير بالقتل كمن وجد رَجلًا مع امرأة لا تحلُّ له، ولو أكرهها فلها قتلُه ودمُه هَدَرٌ، ثمَّ ذكر الخلاف فيما إذا كان يعلم أنَّه ينزجر بغير القتل، قالَ ابنُ عابدين: قلت: وقد ظهر لي في التَّوفيق بين القولين أنَّ الشَّرط المذكور إنَّما هو فيما إذا وجد رَجلًا مع امرأة لا تحلُّ له قبل أن يزني بها، فهذا لا يحلُّ قتلُه إذا علم أنَّه علم أنَّه ينزجر بغير القتل، أمَّا إذا وجده يزني بها فله قتله مطلقًا. انتهى.
          وفي «الأوجز»: قالَ الموفَّقُ: إذا قتل رَجلًا وادَّعى أنَّه وجده مع امرأته، لم يقبل قوله إلَّا ببيِّنة، ولزمه القصاص، روي نحو ذلك عن عليٍّ أنَّه سئل عمَّن وجد مع امرأته فقتله، فقال: إن لم يأتِ أربعة شهداء فليعطِ برمته، وإن اعترف الوليُّ بذلك فلا قصاص عليه ولا دِيَة. انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ بعد ذكر المذاهب: قالَ الدَّاوديُّ: الحديث دالٌّ على وجوب القَوَد فيمن قتل رَجلًا وجده مع امرأته، لأنَّ الله ╡ وإن كان أَغْيَرَ مِنْ عباده فإنَّه أوجب الشُّهود في الحدود، / فلا يجوز لأحدٍ أن يتعدَّى حدود الله، ولا يسقط الدَّم بدعوى. انتهى.