الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام

          ░37▒ (باب: أَحْكَام أَهْل الذِّمَّة وإِحْصَانِهم...) إلى آخره
          أي: بيان أحكام أهل الذِّمَّة: اليهود والنَّصارى وسائر مَنْ تؤخذ منه الجزية، وبيان إحصانهم هل الإسلام شرطٌ فيه أم لا؟ كما سيأتي. انتهى مِنَ العينيِّ.
          وهاهنا مسألتان: إحصان أهل الذِّمَّة، والثَّانية الحكمُ بينهم، قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: وغرضُ المؤلِّف أنَّ الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، وإلَّا لم يرجم اليهوديَّين، وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأحمد، وقال المالكيَّة ومعظم الحنفيَّة: شرط الإحصان الإسلام، وأجابوا عن حديث الباب بأنَّه صلعم إنَّما رجمهما بحكم التَّوراة، وليس هو مِنْ حكم الإسلام / في شيء، وإنَّما هو مِنْ باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإنَّ في التَّوراة الرَّجمَ على المحصَن وغير المحصَن. انتهى.
          وأمَّا المسألة الثَّانية فهو الحكم بين أهل الذِّمَّة، فقالَ الموفَّقُ: وجملة ذلك أنَّه إذا تحاكم إلينا أهلُ الذِّمَّة، واستعدى(1) بعضهم على بعض، فالحاكم مخيَّر بين إحضارهم والحكم بينهم وبين تركهم، سواء كانوا مِنْ أهل دين واحدٍ أو مِنْ أهل أديان، هذا المنصوص عن أحمد، وهو قول النَّخَعيِّ وأحد قولَي الشَّافعيِّ ، وعن أحمد رواية أخرى أنَّه يجب الحكم بينهم، وهذا القول الثَّاني للشَّافعيِّ واختيار المُزَنيِّ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]، ولنا قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية [المائدة:42]... إلى آخر ما ذكر مِنَ الكلامِ على الدَّلائل، ولم يذكر مذهب مالك والحنفيَّة.
          وقالَ ابنُ رُشد في «البداية»: وأمَّا الحكم على الذِّمِّيِّ فإنَّ في ذلك ثلاثةَ أقوال: أحدها: أنَّه يقضي بينهم إذا ترافعوا إليه بحكم المسلمين، وهو مذهب أبي حنيفة، والثَّاني: أنَّه مخيَّر، وبه قالَ مالكٌ، وعن الشَّافعيِّ القولان، والثَّالث: أنَّه واجب على الإمام أن يحكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليه... إلى آخر ما ذكر في «الدَّلائل». وما ذكره ابن رُشد مِنْ مذهب الحنفيَّة هو موافق لِما ذكره الجصَّاص في «أحكام القرآن» إذ قال بحثًا على المسألة: فثبت نسخُ التَّخيير بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وقال أيضًا: فهذا الَّذِي ذكرناه مذهبُ أصحابنا في عقود المعاملات والتِّجارات والحدود أنَّ أهل الذِّمَّة والمسلمون فيها سواء، إلَّا أنَّهم لا يُرجمون، لأنَّهم(2) غير محصنين، وقالَ مالكٌ: الحاكم مخيَّر إذا اختصموا إليه بين أن يحكم بينهم بحكم الإسلام أو يُعرِض عنهم، ثمَّ قالَ: والَّذِي ثبت نسخُه مِنْ ذلك هو التَّخيير، فأمَّا شرط المجيء منهم في قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فلم تقم الدِّلالة على نسخه، فينبغي أن يكون حكمُ الشَّرط باقيًا والتَّخيير منسوخًا. انتهى ملتقطًا.
          قالَ الحافظُ بعد ذكر الحديث الأوَّل مِنْ حديثي الباب: قالَ الكَرْمانيُّ: مطابقته للتَّرجمة مِنْ حيثُ الإطلاقُ.
          قلت: والَّذِي ظهر لي أنَّه جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، هو ما أخرجه أحمد والطَّبرانيُّ مِنْ طريق هُشَيم عن الشَّيبانيِّ قال: قلت: هل رجم النَّبيُّ صلعم ؟ فقال: نعم، رَجَم يَهُوديًّا ويَهُوديَّةً. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أو استعدى)).
[2] في (المطبوع): ((لأنه)).