الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب فضل عائشة

          ░30▒ (باب: فَضْل عَائِشَة ♦)
          هي الصَّدَّيقة بنتُ الصَّدَّيق وأُمُّها أمُّ رُومَان ♥، وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها، ومات النَّبيُّ صلعم، ولها نحو ثمانية عشر عامًا، وقد حفظتْ عنه شيئًا كثيرًا، وعاشت بعده قريبًا مِنْ خمسين سنة، فأكثرَ النَّاسُ الأَخْذَ عنها، ونقلوا عنها مِنَ الأحكام والآداب شيئًا كثيرًا حتَّى قيل: إنَّ ربع الأحكام الشَّرعيَّة منقول عنها ♦.
          قال الزُّهريُّ: لو جُمع عِلم عائشة إلى عِلم جميع أزواج النَّبيِّ صلعم وعلمِ جميع النِّساء لكان عِلم عائشة أفضل، وكان موتها في خلافة معاوية سَنة ثمان وخمسين، وذلك ليلة الثُّلاثاء سبع عشرة خلت مِنْ رمضان، وصلَّى عليها أبو هريرة.
          وقيل: في الَّتي بعدها، ولم تلد للنَّبيِّ صلعم شيئًا على الصَّواب، وقول: إنَّها أسقطت مِنَ النَّبيِّ صلعم سِقطًا لم يثبت، وسألته أن تكنى(1) فقال: اكتني بابن أختك، فاكْتَنَت أمَّ عبد الله، وأخرج ابن حِبَّان في «صحيحه» مِنْ حديث عائشة: ((أنَّه كنَّاها بذلك لمَّا أُحضِر إليه ابنُ الزُّبير ليحكنه(2)، فقال: هو عبد الله، وأنت أمُّ عبد الله قالت: فلم أزل أكنى بها)). انتهى مِنَ «الفتح» والقَسْطَلَّانيِّ ملخَّصًا.
          ولا يذهب عليك أنَّ الإمام البخاريَّ ترجم بفضل عائشة بعد مناقب فاطمة، ولا يبعد عندي أنَّه أشار بهذا التَّرتيب إلى ترتيب الفضيلة بينهما، والمسألة خلافيَّة شهيرة.
          قال الحافظ: قال السُّبكيُّ الكبير: الَّذِي ندين الله به أنَّ فاطمة أفضل، ثمَّ خديجة، ثمَّ عائشة، والخلاف شهير، ولكن الحقَّ أحقُّ أن يتَّبع، وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة، وكأنَّه رأى التَّوقُّف.
          وقال ابن القيِّم: إن أريد بالتَّفضيل كثرة الثَّواب عند الله، فذاك أمر لا يُطَّلع عليه، فإنَّ عمل القلوب أفضلُ مِنْ عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العِلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها، وإن أريد شرف السِّيادة فقد ثبت النَّصُّ بفاطمة وحدها.
          قال الحافظ: وقيل: انعقد الإجماع على أفضليَّة فاطمة، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة. انتهى.
          وبسط الحافظ ☼ الكلام على ذلك في (باب: فضل خديجة) وهكذا بسط الكلام عليه أشدَّ البسط صاحبُ «تيسير القاري»... إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع».
          وفي «القول الفصيح»: افتتح المؤلِّف مناقب المهاجرين بالصِّدِّيق ☺ ، وختمها بعائشة بنت الصِّدِّيق، فنِعم المدخَلُ ونِعم المخرَج. انتهى. / التَّنبيه: قالَ العَينيُّ: قالَ الكَرْمانيُّ: والمعتنون بهذا الكتاب مِنَ الشُّيوخ ♥ضبطوه فقالوا: هاهنا منتصف الكتاب، أي: «كتاب البخاريِّ» و(باب: مناقب الأنصار) هو ابتداء النِّصف الآخر منه. انتهى.
          وهكذا ذكر القَسْطَلَّانيُّ، وسكت عنه الحافظ، ولم يتعرَّض لذلك.
          وأمَّا بحسب «النُّسخ الهنديَّة» فمنتصف «كتاب البخاريِّ» على آخر باب مِنْ أبواب المناقب، أعني (باب: إسلام سلمان الفارسيِّ) وابتداء النِّصف الثَّاني منه مِنْ كتاب المغازي.


[1] في (المطبوع): ((تكتنيَ)).
[2] في (المطبوع): ((ليحنِّكه)).