الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب مناقب علي بن أبي طالب

          ░9▒ (باب: مناقَب عَليِّ بن أَبي طَالِب كَرَّم الله وجهه)
          قال الحافظ: هو ابن عمِّ رسول صلعم شقيقِ أبيه، واسمه عبدُ مَناف على الصَّحيح، وُلد قبل البعثة بعشر سنين على الرَّاجح، وكان قد ربَّاه النَّبيُّ صلعم مِنْ صغره لقصَّة مذكورة في السِّيرة النَّبويَّة، فلازَمَه مِنْ صغره، فلم يفارقه إلى أن مات، وأُمّه فاطمة بنت أسَد / بن هاشم، وكانت ابنة عمَّة أبيه، وهي أوَّل هاشِميَّة وَلَدَت لهَاشِمِيٍّ، وقد أسْلَمَت وصحبت، وماتت في حياة النَّبيِّ صلعم.
          قال أحمد وإسماعيل القاضي والنَّسَائيُّ وأبو عليٍّ النَّيسابوريُّ: لم يرد في حَقِّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحابة بالأَسَانِيد الجِياد أكْثَرُ ممَّا جاء في عليٍّ، وكأنَّ السَّبب في ذلك أنَّه تأخَّر ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج مَنْ خَرَجَ عليه، فكان ذلك سببًا لانتشار منَاقِبه مِنْ كَثْرَة مَنْ كانَ بَيْنَهما مِنَ الصَّحابة ردًّا على مَنْ خالفه، فكان النَّاس طائفتين، لكنَّ المبتدعة قليلة جدًّا، ثمَّ كان مِنْ أمرِ عليٍّ ما كان، فنَجَمت طائفة أخرى حاربوه، ثمَّ اشتدَّ الخطب، فتنقَّصُوه واتَّخذوا لعنه على المنابر سُنَّة، ووافقهم الخوارج على بُغْضِه، وزَادوا حتَّى كفَّرُوه مضمومًا ذلك منهم إلى عثمان، فصار النَّاس في حقِّ عليٍّ ثلاثة: أهل السُّنَّة، والمبتدعة مِنَ الخوارج، والمحاربين له مِنْ بني أميَّة وأتباعهم، فاحتاج أهل السُّنة إلى بثِّ فضَائله، فكثُر النَّاقل لذلك لكثرة مَنْ يخالف ذلك، وإلَّا فالَّذي في نفس الأمر أنَّ لكلٍّ مِنَ الأربعة مِنَ الفضائل إذا حُرِّر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السُّنَّة والجماعة أصلًا، وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمان سنين، وقال ابن إسحاق: عشر سنين، وهذا أرجحُها، وقيل غير ذلك.
          وقال الحافظ أيضًا: وقد أخرج المصنِّف مِنْ مناقب عليٍّ أشياء في غير هذا الموضع، منها حديث عمر: ((عليٌّ أقْضَانا))، وسيأتي في تفسير البقرة، ومنها حديث قتاله البُغاة، ومنها حديث قتاله الخوارج، وقد تقدَّم مِنْ حديث أبي سعيد في علامات النُّبوَّة، وغير ذلك ممَّا يعرف بالتَّبع، وأَوعَبُ مَنْ جَمَعَ منَاقِبَه مِنَ الأحاديث الجِيَاد النَّسائيُّ في كتاب الخصائص، وأمَّا حديث: ((منْ كُنْتُ مَوْلَاه فعَلِيٌّ مَوْلَاه)) فقد أخرجه التِّرمذيُّ والنَّسَائيُّ وهو كثير الطُّرق جدًّا، وقد استوعبها ابن عُقْدَةَ في كتابٍ مفرد، وكثيرٌ مِنْ أسَانيدها صحاح وحِسَان، وقد رُوِّينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد مِنَ الصَّحابة ما بلغنا عن عليِّ بن أبي طالب كرم الله وجهه. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: ومِنْ لطائف قدرته تبارك وتعالى أنَّ الخلافة ترتَّبت على بُعد النَّسب مِنَ النَّبيِّ صلعم، فأَقربُهم نسبًا أبعدُهم في التَّرتيب، وبالعكس، وكذلك فيما بينهما. انتهى.
          وفي «هامشه»: ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه ظاهر لا سيَّما في عليٍّ كرم الله تعالى وجهه، فإنَّه أقربهم نسبًا إلى رسول الله صلعم ابن عمِّه، ثمَّ بعد ذلك أقربهم عثمان ☺ ، إلَّا أنَّ عمر ☺ أبعد نسبًا مِنَ الصِّدِّيق الأكبر كما يظهر مِنْ أنسابهم، ثمَّ ذكرت في «هامش اللَّامع» صورة أنسابهم بطريق الجدول مع التَّوضيح البالغ، فارجع إليه لو اشتقت.