الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إثم الغادر للبر والفاجر

          ░22▒ (باب: إثم الغَادِر للبَرِّ والفَاجِر)
          قال الحافظ: أي: سواء كان مِنْ برٍّ لفاجر أو برٍّ، أو مِنْ فاجر لبرٍّ أو فاجر، وبين هذه التَّرجمة والتَّرجمة السَّابقة بثلاثة أبوابٍ عمومٌ وخصوص. انتهى.
          قلت: وأشار الحافظ بذلك إلى: (باب: / إثم مَنْ عَاهد ثمَّ غَدَر) ولا يبعد عندي في الفرق بين التَّرجمتين الإشارة إلى اختلاف نوعيَّة الإثم، ولأجل ذلك ذكر لهذا المعنى عدَّة أبواب.
          وكتب الشَّيخ ☼ في «اللَّامع» على هذا الباب: لمَّا كان مِنَ الأمور المنكرة ما لا كراهة فيه إذا ارتكبها مؤمن كامل في إيمانه، ولا يمكن مِنِ ارتكابه الفاسق الغير الآمن على إيمانه تُوهِّم أنَّ الغدر لعلَّه مِنْ هذا القَبيل، فدفعه بإطلاق الرِّواية ولفظ (كلِّ) الدَّالِّ على العموم. انتهى.
          وفي «هامشه»: أجاد الشَّيخ قُدِّس سرُّه بطبعه اللَّطيف في توجيه ذكر البرِّ والفاجر، ولِما أفاده نظائر كثيرة منها قوله: أنبت الربيعُ البقلَ، ومنها صوم يوم الشَّكِّ، ومنها ما في «الأشباه».
          قال قاضي خان: الفقاعيُّ إذا قال عند فتح الفقاع للمشتري: صَلِّ على محمَّد، قالوا: يكون آثمًا، وكذا الحارس إذا قال في الحراسة: لا إله إلا الله يعني لأجل الإعلام بأنَّه مستيقظ، بخلاف العالم إذا قال في المجلس: صلُّوا على النَّبيِّ، فإنَّه يثاب على ذلك، وكذا القارئ(1) إذا قال: كبِّروا يثاب(2)، لأنَّ الحارس والفقاعيَّ يأخذان بذلك أجرًا. انتهى.
          ثمَّ المصنِّف ☼ ذكر في الباب أربعة أحاديث، ومناسبة الثَّلاثة الأُوَل منها بالتَّرجمة غير خفيَّة، وأمَّا الحديث الرَّابع فقد قال الحافظ: في تعلُّق الحديث بالتَّرجمة غموض، ثمَّ ذكر عدَّة توجيهات للمطابقة.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: مطابقة الحديث بالتَّرجمة مِنْ حيثُ إنَّه ╧ قال في خطبته يومئذ: (فإنَّ دمَاءكُم وأموَالكُم عليكُم حَرام كحُرْمَة يومِكُم هَذا في بَلدِكُم هَذا في شَهْرِكُم هذا) فكان التَّعرُّض بشيء منها غدرًا وهتكًا لحرمة الله تبارك وتعالى. انتهى.
          قلت: وبما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه في وجه المطابقة جزم ابن بطَّالٍ كما حكى عنه الحافظ في «الفتح»، وقال أيضًا: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع مِنْ سبب الفتح الَّذِي ذكر في الحديث، وهو غدر قريش بخزاعة حلفاء النَّبيِّ صلعم ، فكان عاقبة نقض قريش العهد أن غزاهم المسلمون حتَّى فتحوا مكَّة، واضْطُرُّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزِّ والقوَّة في غاية الوَهَن، ولعلَّه أشار بقوله في التَّرجمة: بالبرِّ إلى المسلمين، والفاجر: إلى خزاعة، لأنَّ أكثرهم إذ ذاك لم يكن أسلم بعد. انتهى مختصرًا.
          وقالَ العلَّامةُ العينيُّ: وجه مطابقته للتَّرجمة يمكن أخذه مِنْ قوله: (فانفروا) إذ معناه لا تغدروهم إذ إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر، ووجه آخر وهو أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يغدر في استحلال القتال بمكَّة لأنَّه كان بإحلال الله تعالى له ساعة، ولولا ذلك لما جاز له. انتهى.
          وبما أفاده العينيُّ أوَّلًا ذكره العلَّامة السِّنديُّ، وقال: ثمَّ رأيت الكَرْماني مال إلى ذلك. انتهى.
          وسكت القَسْطَلَّانيُّ: عن بيان المناسبة.
          ثم براعة اختتام كتاب الجزية عند الحافظ قُدِّس سرُّه في قوله: (فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) وقد تقدَّم أنَّ كتاب الجهاد عند هذا العبد الضَّعيف ينتهي إلى بدء الخلق، فالبراعة في قوله: (وإذا اسْتُنفِرْتُم فانْفِرُوا) وبلفظ: (يوم القيامة) وكذا بلفظ: (الإِذْخِر)، فقد ورد في بعض الطرق: ((فإنَّه لقبورهم)) أو يقال: الجهاد كلُّه مذكِّر للموت.


[1] في (المطبوع): ((الغازي)).
[2] قوله: ((يثاب)) ليس في (المطبوع).