الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف

          ░12▒ (باب: المُوادعة والمُصَالحة معَ المُشْرِكينَ بِمَال(1) وَغيره...)
          أي: كالأسرى، قوله: ({وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال:61] إلى آخره) أي: إنَّ هذه الآية دالَّة على مشروعيَّة المصالحة مع المشركين، ومعنى الشَّرط في الآية أنَّ الأمر بالصُّلْح مقَيَّد بما إذا كان الأحظُّ للإسلام المصَالحَةَ، أمَّا إذا كان الإسلام ظاهرًا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالح(2) فلا.
          ذكر المصنِّف فيه حديث سهل في قصَّة عبد الله بن سهل وقتله بخيبر، والغرض منه قوله: (انطَلَق إلى خَيْبَر وهي يَومَئِذٍ صُلْح). انتهى مِنَ «الفتح».
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» على قوله: (وهي يومئذٍ صلحٌ) فيه التَّرجمة حيث لم يكن مصالحة أهل خيبر يوم ذلك على مالٍ ولا غيره. انتهى.
          وأمَّا أصل المسألة فاختُلف فيه فذكر الحافظ فيه بعض المذاهب، وتقدَّم تفصيل الأقوال فيه مع البسط في (باب: الصُّلح مع المشركين) مِنْ كتاب الصلح، فارجع إليه لو شئت.
          (قوله: ثمَّ(3) مَنْ لم يفِ...) إلى آخره، قال الحافظ: ليس في حديث الباب ما يشعر به، وسيأتي البحث فيه في كتاب القَسَامة. انتهى.
          قلت: ويمكن عندي أن يقال: إنَّ المصنِّف أراد ذكر شيء يناسب الباب، فلم يتَّفق له كما هو المعروف عند الشُّرَّاح في مثل هذه المواضع، والأوجَهُ عندي في مثل هذه المواضع أنَّ الإمام البخاريَّ ⌂ لا يذكر الحديث عمدًا تشحيذًا للأذهان [و]تنبيهًا على ما ذكره في موضع آخر، كما تقدَّم في أصل الرَّابع والعشرين، وقد تكلَّمت على ذلك في مبدأ كتاب العِلم في (باب: فضل العِلم) وذلك فإنَّ إثم مَنْ لم يفِ بالعهد ورد في عدَّة روايات، فلو اقتصر على رواية يتوهَّم اقتصار الإثم على هذا النَّوع خاصَّة، والمقصود التَّنبيه على إثمه بجهات كثيرة، فقد ذكر في (باب: إثم / مَنْ قتل معاهدًا) ما قاله النَّبيُّ صلعم: (لم يَرِحْ رَائِحَة الجنَّة)... الحديث، وأخرج أيضًا في (باب: دُعَاء الإمام على مَنْ نكث عهدًا) حديث القنوت، وأخرج في (باب: ذمَّة المسلمين): (مَنْ أَخْفَر مُسْلِمًا فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين)، وفي (باب: إثم مَنْ عاهد ثمَّ غدر): (أربع خلالٍ مَنْ كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا) وفيه: (إذا عاهد غدر) في (باب: إثم الغادر) عدَّة روايات بمعنى: (لكلِّ غادرٍ لواؤه يُنصب بغدرته) فأشار بالتَّرجمة إلى هذه الرِّوايات كلِّها، وهذا كلُّه إذا كان قوله: (إثم مَنْ لم يفِ...) إلى آخره جزء للتَّرجمة، ولا يبعد أن يقال: إنَّ الإمام البخاريَّ ⌂أشار بذلك إلى التَّأكيد والتَّنبيه بالوفاء بالعهد للرِّوايات المذكورة.


[1] في (المطبوع): ((بالمال)).
[2] في (المطبوع): ((المصالحة)).
[3] في (المطبوع): ((وإثم)).