الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل

          ░10▒ (باب: إذا وكَّل رجلًا فترك [الوكيل] شيئًا...) إلى آخره
          وفي «الفيض»: يعني به الإجازة اللَّاحقة. انتهى.
          قال الحافظ: قالَ المهلَّبُ: مفهوم التَّرجمة أنَّ الموكِّل إذا لم يُجز ما فعله الوكيل ممَّا لم يأذن له فيه فهو غير جائز. انتهى.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ بعد حديث الباب: وموضع التَّرجمة قوله: (فخلَّيت سبيله) لأنَّ أبا هريرة ترك الرَّجل الَّذِي حثا الطعام لمَّا شكا الحاجة، فأخبر بذلك رسولَ الله صلعم فأجازه، قال الزرَّكْشيُّ كغيره: وفيه نظر لأنَّ أبا هريرة لم يكن وكيلًا بالعطاء، بل بالحفظ خاصَّة.
          قال في «المصابيح»: النَّظر ساقط لأنَّ المقصود انطباق التَّرجمة على الحديث وهي كذلك لأنَّ أبا هريرة وإن لم يكن وكيلًا في الإعطاء فهو وكيل في الجملة ضرورة أنَّه وكيل بحفظ الزَّكاة، وقد ترك ممَّا وُكِّل بحفظه شيئًا وأجاز ╕ فِعله فقد طابقته التَّرجمة قطعًا، نعم في أخذ إقراض الوكيل إلى أجل مسمًّى [مِنْ هذا الحديث نظر، وقد قرَّر بعضهم وجه الأخذ بأنَّ أبا هريرة لمَّا ترك السَّارق الَّذِي حثا مِنَ الطعام فكأنَّه أسفله إلى أجلٍ] ولا يخفى ما في ذلك مِنَ التَّكلُّف والضَّعف. انتهى.
          قوله: (وإن أقرضه...) إلى آخره، قالَ العَينيُّ: وإن أقرض الوكيل شيئًا ممَّا وكل فيه جاز، يعني: إذا أجازه الموكِّل، وقالَ المهلَّبُ: مفهوم التَّرجمة أنَّ الموكِّل إذا لم يُجِزْ ما فعله الوكيل ممَّا لم يأذن له فيه فهو غير جائز(1). انتهى.
          وزاد الحافظ عن المهلَّب: ولا أعلم خلافًا أنَّ المؤتمن إذا أقرض شيئًا مِنْ مال الوديعة وغيرها لم يجز له ذلك، وكان ربُّ المال بالخيار، قال: وأخذ ذلك مِنْ حديث الباب بطريق أنَّ الطعام كان مجموعًا للصَّدقة، وكانوا يجمعونه قبل إخراجه، وإخراجه كان ليلة الفطر، فلمَّا شكا السَّارق لأبي هريرة الحاجة تركه، فكأنَّه أسلفه إلى أجلٍ، وهو وقت الإخراج(2). انتهى.
          وتعقَّب عليه العلامة القَسْطلَّانِيُّ كما سبق آنفًا.
          وقالَ الكَرْمانيُّ: تؤخذ المناسبة مِنْ حيثُ إنَّه أمهله إلى أن دفعه(3) إلى النَّبيِّ صلعم، كذا قال. انتهى.
          قلت: والأوجه عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ المطابقة تؤخذ بطريق الأولويَّة، فإنه إذا ثبت التَّرك برأسه فالإقراض بطريق الأَولى.
          ثمَّ اعلم أنَّه قد تعرَّض العلَّامة السِّنْديُّ لإشكال يَرِدُ على هذه القصَّة، ولم يتعرَّض له في الشُّروح الأخر إذا قال: قوله: (فرحمته فخلَّيت سبيله...) إلى آخره.
          فإن قلت: كيف رحمه؟ والرَّحمة عليه فرع تصديقه، وفي تصديقه تكذيب لقوله صلعم: (قَدْ كَذَبَكَ) قلت: يحتمل أنَّه رحمه بما لحقه مِنَ الخوف والفزع الَّذِي أفضاه إلى هذا الكذب وإلى تخليص نفسه بالحيل وإِنْ كَذَبَهُ في هذه الحيلة، ويحتمل أنَّه نسي قوله صلعم فيه: (إنَّه قَدْ كَذَبَكَ) حين أكثر الإلحاح والتَّضرُّع وأشغل قلبه بذلك، وعلى الأوَّل قول أبي هريرة في الجواب: (شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته) أنَّه خاف بحيث وقع لأجله في الكذب والحيل فرحمته، والله تعالى أعلم. انتهى.


[1] عمدة القاري: ج12/144
[2] فتح الباري:4/488
[3] في (المطبوع): ((رفعه)).