التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي للحسن بن علي: إن ابنى هذا لسيد ولعل الله

          ░20▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: (إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ)
          7109- ذَكَرَ فيه حديثَ إِسْرَائِيلَ أَبِي مُوسَى: أنَّه جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ، فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ. قَالَ: حَدَّثَنَا / الحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ☻ إِلَى مُعَاويَةَ ☺ بِالْكَتَائِبِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاويَة: أَرَى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا، قَالَ مُعَاويَةُ: مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ: الصُّلْحَ، قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلعم يَخْطُبُ جَاءَ الحَسَنُ ☺، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) الحديثَ.
          7110- وحديثَ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ ☺ وَقَالَ: إِنَّهُ يَسْأَلُكَ الْآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الْأَسَدِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِي.
          الشرح: حديث حَرْمَلَةَ مِن أفرادِه، وحديثُ الحَسَنِ سَلَفَ في الصُّلْحِ أَتَمَّ [خ¦2704] وفيه فضيلةُ السَّعْيِ بين المسلمين في حَسْمِ الفِتَنِ والإصلاحِ بينهم، وأنَّ ذلك ممَّا يُسْتَحَقُّ به السِّيادةُ والشَّرَفُ.
          والْكَتَائِبُ جمْعُ كَتِيبةٍ وهي الجيشُ، يُقال: كَتَّبَ فلانٌ الكتائبَ، أي عبَّأَها كتيبةً كتيبةً.
          وقولُه: (حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا) أي تَخْلُفَها وتقومَ مقامَها، ومنه حديثُ عُمَرَ ☺: كنتُ أرجو أن يعيشَ رسولُ الله صلعم حَتَّى يَدْبُرَنا. أي يَخْلُفَنا بَعْدَ مَوْتِنَا، يُقال: دَبَرْتُ الرَّجُلَ إذا بقيتَ بَعْدَه.
          وقولُ مُعَاويَةَ: (مَنْ لِذَرَارِيِّ المُسْلِمِينَ؟) يدلُّ أنَّهُ كَرِهَ الحرْبَ وخَشِيَ سوءَ عاقِبَةِ الفِتنةِ لِرِقَّة قلْبِه، ولذلك بعثهما إلى الحَسَنِ يسألُه الصُّلْحَ فأجابه رغبةً فيه وحقنًا لِدِماءِ المسلمين وحِرصًا على رفْعِ الفِتنةِ. قال الحَسَنُ: وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ [خ¦2704] يعني أنَّ مُعَاويَةَ خيرٌ مِن عَمْرو بنِ العاصي.
          وابنُ شُبْرُمَةَ اسمُه عبدُ الله. وقولُ إسرائيلَ له: (أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ) يعني ابنَ مُوسَى أميرًا على الكوفة، فخافَ عليه ابنُ شُبْرُمَةَ مِن ذلك، فَدَلَّ أنَّ مذهبَه أنَّ مَن خافَ على نفْسِهِ لا يلَزَمُهُ الأمرُ بالمعروف والنَّهيُ عن المنكرِ.
          فَصْلٌ: وقعودُ أسامةَ عن عليٍّ ☻؛ لأنَّه قَتَلَ مِرْدَاسًا لَمَّا بَعَثَهُ الشَّارعُ إلى الحُرَقَةِ وعَتَبُهُ عليه فآلى على نفسِهِ إذْ ذاك أَلَّا يقْتُلَ مُسلمًا أبدًا؛ فلِذلِكَ قَعَدَ عن عليٍّ ☻ في الجَمَلِ وصِفِّينَ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) فيه أنَّ ابنَ البنتِ يُسمَّى ابنًا، ولذلك دخل في عمومِ قولِه تعالى: {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} الآية [النساء:22] وفي روايةٍ أخرى: أنَّه ◙ أجلَسَ الحَسَنَ وهو على المنبرِ إلى جانبِه وجَعَلَ ينظُرُ إليه مرَّةً وإلى النَّاسِ أُخرى، وقال: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) الحديثَ. فكان كما قال، فكان الحَسَنُ مِن أَكْرَهِ النَّاسِ لِخروجِ عليٍّ إلى المدينة، وكان يَبكِي ويسألُهُ أَلَّا يَفْعَلَ.
          فَصْلٌ: وُلِدَ الحَسَنُ نِصْفَ رمضانَ مِن سنةِ ثلاثٍ، وفيها عَلِقَتْ بالحسين ☻ فلم يكن بينهما إلَّا طُهْرٌ واحدٌ، وقيل: خمسون ليلةً، وقيل: وُلِدَ الحسين سنةَ أربعٍ، وله روايةٌ حُفِظَ ممَّا رَوَاهُ: ((دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ)) وحديثُ قُنُوتِ الوِتْرِ، وكان يُشْبِهُ رسولَ الله صلعم.
          فَصْلٌ: وقولُ أُسامةَ: (وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ) كان ممَّن تخلَّفَ عن تِلْكَ الفِتْنَةِ. وإنَّما مَنَعَ عَلِيًّا أنْ يُعْطِيَ الرَّسولَ لَعَلَّهُ سَأَلَهُ مِن مالِ اللهِ فَلَمْ يَرَ أنْ يُعطِيَهُ لِتَخَلُّفِهِ عن الحربِ، وأعطاه الحَسَنُ والحسينُ وابنُ جعفرٍ لأنَّهم حَسَبُوهُ كأحدِهم، كان ◙ يُجْلِس أسامةَ على فَخِذِه والحَسَنَ على الأُخرى ويقول: ((اللَّهُمَّ أحبَّهُمَا فإنِّي أُحِبُّهُمَا)).
          فَصْلٌ: وقولُه: (فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِيْ) الوِقْرُ بالكسْرِ الحِمْلُ، وقد أَوْقَرَ بعيرَهُ، وأكثر ما يُستعمَلُ في حِمْلِ البِغَالِ والحَمِيرِ، والوَسْقُ في حِمْلِ البعير، قاله في «الصِّحاح»، والرَّاحلةُ النَّاقةُ الَّتي تَصلُح لأنْ تُرْحَلَ، وكذلك الرَّحُولُ، ويُقال للرَّاحِلَةِ: المركَب مِن الإبل ذكرًا كان أو أُنثى.