التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الفتنة التي تموج كموج البحر

          ░17▒ بَابُ الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ
          وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً                     تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشُبَّ ضِرَامُهَا                     وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ                     مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
          هذه الأبياتُ مَعْزوَّةٌ لِامْرئِ القيسِ، وعَزَاها إليه السُّهَيليُّ في «روضِه» وقال ابنُ التِّين: إنَّها لعَمْرِو بن مَعْدِي كَرْبٍ. والتَّعليقُ المذكورُ رُوِّيناه عن ابنِ الأَعرابيِّ حدَّثنا عبَّاسٌ حدَّثنا يَحيى حدَّثنا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ. وخلفٌ هذا مِن عُبَّادِ أهلِ الكوفةِ، كُنيَتُه أبو يزِيدَ وأبو عبدِ الرَّحمن، قال البُخَارِيُّ: أثنَى عليه ابنُ عُيَيْنَةَ، قيل: بَقِيَ إلى حدودِ الأربعين ومئةٍ. وسأُورِدُ فصلًا في الكلامِ على هذه الأبيات بعدُ.
          7096- 7097- 7098- ثمَّ ساقَ البُخَارِيُّ حديثَ حُذَيفةَ وأبي مُوسَى ☻ وقد سَلَفَا [خ¦525] [خ¦3674] وكذا حديثَ أُسامةَ. ثمَّ قَالَ:
          ░18▒ بَابٌ
          7099- وساقَ فيه حديثَ أَبِي بَكْرَةَ ☺: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً). وقد سلف [خ¦4425].
          7100- وحديثَ أبي مَرْيَمَ _واسمُه عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ_ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ ♥ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ♥، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ، فَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ، وَقَامَ عمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عمَّارًا ☺ يَقُولُ: (إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلعم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ╡ ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ).
          وَقَالَ مَرَّةً: (وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُم بِهِ). يَعْنِي عَائِشَةَ. ثمَّ قال:
          ░18▒ بَابٌ
          7101- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ _وهو بِغَينٍ معجَمةٍ مفتوحةٍ ثُمَّ نونٍ ثُمَّ مثنَّاةٍ تَحْتُ ثمَّ هاءٍ، واسمُه عبدُ الملكِ بن حُمَيدِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ الكوفيُّ أصبهانيٌّ، وهو والدُ يَحيى بنِ عبدِ الملِك، اتَّفَقَا عليه_ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: قَامَ عمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ ♦ وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ: (إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ).
          7102- 7103- 7104- ثمَّ ساقَ مِن حديثِ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حِينَ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ، فَقَالَا: (مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ)، فَقَالَ عَمَّارٌ: (مَا رَأَيْتُ مِنْكُما مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ)، وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً، ثُمَّ رَاحُوا إِلَى الْمَسْجِدِ.
          وحديثَ أَبِي حَمْزَةَ _وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بن مَيْمُونٍ السُّكَّرِيُّ المَرْوَزِيُّ، مَاتَ سنةَ ثمانٍ وستِّين ومائةٍ_ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعمَّارٍ ♥ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: (مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلعم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ)، فقَالَ عمَّارٌ: (يَا أَبَا مَسْعُودٍ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ صلعم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ)، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ _وَكَانَ مُوسِرًا_(يَا غُلَامُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ) فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالْأُخْرَى عمَّارًا، وَقَالَ: (رُوحَا فِيهِمَا إِلَى الْجُمُعَةِ).
          الشَّرحُ: زَعَمَ الإسْمَاعيليُّ أنَّ أبا حَمْزةَ رَوَى حديثَ حُذَيفةَ عن الأعمشِ عن أبي وائلٍ عن مَسْرُوقٍ قال عُمَرُ ☺: أيُّكُمْ يُحدِّثُنا عن الفِتنة. / قال: كذا قال: عن مَسْرُوقٍ، وخالفَهُ النَّاسُ فقالوا: عنِ الأعمشِ عن أبي وائلٍ، فذكرَ حديثَ البُخَارِيِّ.
          وحديثُ حُذَيفةَ وأبي مُوسَى مِن أعلامِ النُّبوَّة لأنَّ فيهما الإخبارَ عمَّا يكون مِن الفِتن والغَيبِ، وذلك لا يُعلَم إلَّا بالوحي. وقال الخطَّابيُّ: إنَّما كان يَسألُ حُذَيفةُ عن الشَّرِّ لِيعرِفَ موضِعَهُ فيتوقَّاه، وذلك أنَّ الجاهلَ بالشَّرِّ أسرعُ إليه وأشدُّ وقوعًا فيه، ويُروَى عن بعضِ السَّلَفِ أنَّه قيل له: إنَّ فلانًا لا يعرِفُ الشَّرَّ، قال: ذاكَ أَجْدَرُ أنْ يَقَعَ فيه، ولهذا صارَ عامَّةُ ما يُرْوَى مِن أحاديثِ الفِتَنِ وأكثرُ ما يُذكر مِن أحوال المنافقين منسوبةً إليه ومأخوذةً عنه.
          وقال غيرُه: وإنَّما نَكَبَهُ حُذَيفةُ حين سَأَلَهُ عُمَرُ عنِ الفِتنةِ فجاوَبَهُ عن فِتْنَةِ الرَّجُلِ في أهلِهِ ومالِه وولدِه وجارِه، ولم يجاوبْهُ عن الفِتْنَةِ الكبرى الَّتي تموجُ كَمَوْجِ البحرِ لِئلَّا تَغُمَّه ويشتغلَ بالُهُ، أَلَا ترى قولَه لِعُمَرَ: (لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا) ولم يَقُلْ له: أنتَ البابُ، وهو يعلمُ أنَّ البابَ عُمَرُ، فإنَّما أرادَ حُذَيفةُ ألَّا يواجِهَهُ بما يشقُّ عليه ويُهِمُّه، وعرَّض له بما فَهِمَ عنه عُمَرُ أنَّه البابُ ولم يُصرِّح له به، وهذا مِن أحسنِ أَدَبِ حُذَيفةَ.
          فإنْ قلْتَ: فمِنْ أينَ علِمَ عُمَرُ أنَّ البابَ إذا كُسِرَ لم يُغلَقْ أبدًا؟ فالجواب: أنَّه استدلَّ عُمَرُ على ذلك بأنَّ الكَسْرَ لا يكونُ إلَّا غَلَبَةً، والغَلَبةُ لا تكونُ إلَّا في الفِتنةِ، وقد عَلِمَ عُمَرُ وغيرُه مِن رسولِ الله صلعم أنَّه سَأَلَ ربَّه أَلَّا يجعَلَ بأْسَ أُمَّتِه بينهم فمُنِعَها، فلمْ يَزَلِ الهَرْجُ إلى يومِ القيامة. ورَوَى مَعْمَرٌ عن أيُّوبَ عن أبي قِلابةَ عن أبي الأشعثِ الصَّنْعَانيِّ عنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عن شدَّاد بن أوسٍ مرفوعًا: ((إذا وُضِعَ السَّيفُ في أُمَّتي لم يُرفَعْ عنهم إلى يومِ القيامةِ)).
          وفيه أنَّ الصَّحابة كان يَأخُذُ بعضُهم العلمَ عن بعضٍ ويُصدِّقُ بعضُهم بعضًا، وكلُّهم عُدُولٌ رِضًى وهم خيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ للنَّاس.
          فَصْلٌ: وفي حديثِ أبي مُوسَى البُشْرِى بالجنَّةِ لأبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ إلَّا أنَّه قال في عُثْمانَ: (مَعَ بَلاَءٍ يُصِيبُهُ) وكان ذلك البلاءُ أنَّه قُتِلَ مظلومًا شهيدًا.
          فإن قلتَ: فكيف خُصَّ عُثْمانُ بِذِكْرِ البلاءِ وقد أصابَ عُمَرَ مِثْلُهُ؛ لأنَّه طعنَهُ أبو لؤلؤةَ وماتَ مِن طَعْنَتِه شهيدًا؟ فالجواب: أنَّ عُمَرَ ☺ وإنْ كان ماتَ مِن الطَّعنَةِ شهيدًا، فإنَّه لم يُمتحنْ بمحنةِ عثمانَ مِن تَسَلُّطِ طائفةٍ باغيةٍ متغلِّبةٍ عليه ومطالبتِهم له أن يَنْخَلِع مِن الإمامة وهجومِهم عليه في دارِهِ وهتْكِهم سِتْرَهُ ونسبِتهم إليه الجورَ والظُّلمَ، وهو بريءٌ عندَ الله مِن كلِّ سُوءٍ بعد أنْ مُنِعَ الماء مع أشياءَ كثيرةً يطولُ إحصاؤها، وعُمَرُ لم يَلْقَ مِثْلَ هذا ولا تسوَّرَ عليه أَحَدٌ دارَهُ ولا قَتَلَهُ موحِّدٌ فيحاجُّه بها عندَ الله، ولِذلكَ حَمِدَ اللهَ عُمَرُ على ذلك، فكان الَّذي أصابَ عُثمانَ غيرَ قَتْلهِ مِن البلاء بلاءً شديدًا لم يُصِبْ عُمَرَ مِثْلُهُ.
          فَصْلٌ: وقولُ أبي وائلٍ: (قِيلَ لِأُسَامَةَ: أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا؟) مع أشياءَ كثيرةٍ، يعني عُثْمانَ بن عفَّانَ أنْ يكلِّمَه في شأنِ الوليدِ بن عُقْبةَ لأنَّه ظهرَ عليه رِيحُ نَبِيذٍ وشُهِرَ أَمْرُهُ، وكان أخَا عُثْمانَ لِأُمِّه، وكان عُثْمانُ يَستعملُه على الأعمالِ، فقيل لأُسَامةَ: ألا تُكلِّمُه في أَمْرِهِ؟ لأنَّه كانَ مِن خاصَّةِ عُثْمانَ وممَّن يخف عليه، فقال: (قَدْ كَلَّمْتُهُ) أي فيما بيني وبَيْنَه.
          و(مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ) يريد لا أكونُ أوَّلَ مَن يفتحُ بابَ الإنكارِ على الأئمَّةِ علانِيَةً، فيكونُ بابًا مِن القِيامِ على أئمَّةِ المسلمين فَتُفَرَّقُ الكلمةُ وتَتَشَتَّتُ الجماعةُ، كما كان بعدَ ذلك مِن تَفْريقِ الكلمةِ بمواجهة عُثْمانَ بالنَّكِير، ثمَّ عَرَّفَهُم أنَّه لا يُدَاهِن أميرًا أبدًا بل يَنْصَحُ له في السِّرِّ جُهدَهُ بعدما سمعَ رسولَ الله صلعم يقولُ في الرَّجُلِ الَّذي كان في النَّارِ: (كَالحِمَار يَدُورُ بِرَحَاهُ) مِن أجلِ أنَّه كان يأمُرُ بالمعروفِ ولا يفعلُهُ، ويَنهَى عن الشَّرِّ ويفعلُهُ، يعرِّفهم أنَّ هذا الحديثَ جَعَلَهُ أَلَّا يُدَاهِن أحدًا، يتبرَّأُ إليهم ممَّا ظنُّوا به عن سُكُوتِهِ عن عُثْمانَ في أخيه.
          فَصْلٌ: فإنْ قلتَ: الإنكارُ على الأمراءِ في العلانيَّةِ مِن السُّنَّة لِمَا رَوَى سُفْيَانُ عن عَلْقَمة بن مَرْثَدٍ عن طارقِ بنِ شِهَابٍ: أنَّ رجلًا سأل رسولَ الله صلعم: أيُّ الجِهَادِ أفضل؟ قال: ((كلمةُ حقٍّ عند ذي سُلْطانٍ جَائِرٍ)) قلتُ: واختلف السلف في تأويلِه _كما قال الطَّبَرِيُّ_ فقيل: إنَّه محمولٌ على ما إذا أَمِن على نفْسِهِ القتلَ أو أن يَلحقَه مِن البلاء ما لا قِبَلَ له به، وهو مذهبُ أسامَةَ بن زَيْدٍ ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عبَّاسٍ وحُذَيفةَ، ورُوِيَ عن مُطَرِّف بن الشِّخِّيرِ أنَّه قال: واللهِ لو لم يكن لي دِينٌ حتَّى أقومَ إلى رجلٍ معه ألفُ سيفٍ فأنْبِذَ إليه كلمةً فيقتُلَنِي، إنَّ ديني إذن لَضَيِّقٌ.
          وقيل: الواجبُ على مَن رأى منكَرًا مِن ذي سُلْطانٍ أن يُنكِرَهُ علانِيَةً وكيف أَمكنُهُ، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ وأُبيٍّ، واحتجُّوا بقولِه ◙: ((مَن رأى منكم مُنْكرًا فَلْيُغَيِّره)) الحديث، وبقولِه ◙: ((إذا هابَتْ أُمَّتي أن يقولوا للظَّالِمِ: يا ظالمُ فقد تُودِّعَ منهم)).
          وقيل: مَن رأى مِن سُلطانِه مُنكَرًا فالواجب عليه أن يُنكِرَهُ بِقلبِه فقط، واحتجُّوا بحديثِ أم سَلَمَةَ مرفوعًا: ((يُستعمَلُ عليكم أمراءُ بعدِي تَعْرِفون وتُنْكِرون، فمن كَرِه فقد بَرِئَ، ومَن أنكرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَن رَضِي وتابعَ)) قالوا: يا رسولَ الله، أفلا نُقَاتلُهم؟ قال: ((لا، ما صَلَّوْا)).
          والصَّوابُ _كما قال الطَّبَرِيُّ_ أنَّ الواجبَ على كلِّ مَن رأى منكرًا أن يُنْكِرَه إذا لم يَخَفْ على نفْسِه عقوبةً لا قِبَلَ له بها؛ لِورودُ الأخبارِ عن رسولِ الله صلعم بالسَّمْعِ والطَّاعةِ للأئمَّةِ، وقولِه ◙: ((لا يَنبغي للمؤمِنِ أن يُذِلَّ نفْسَه)) قالوا: وكيف يُذِلُّ نفْسَه؟ قال: ((يتعرَّضُ مِن البلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ)).
          فَصْلٌ: فإنْ قلتَ في حديثِ أُسَامةَ: كيف صار الَّذي كان يأمرُهم وينهاهُم معهم في النَّار وهو لهم آمرٌ وناهٍ؟ قيل: لم يكونوا أهلَ طاعتِهِ وإنَّما كانوا أهلَ مَعْصِيَتِهِ.
          فَصْلٌ: وأمَّا حديثُ أبي بَكْرةَ ☺ فإنَّ في / ظاهرِه تَوْهِيةٌ لِرَأْيِ عَائِشَةَ ♦ في الخروج. قال المُهَلَّب: وليس كذلك لأنَّ المعروفَ مِن مذهبِ أبي بَكْرةَ أنَّه كان على رأْيِ عَائِشَةَ وعلى الخروجِ معها، ولم يكُنْ خروجُها على نِيَّةِ القتالِ، وإنَّما قيل لها: اخرُجِي لتُصلِحِي بين النَّاس فإنَّكِ أُمُّهُم ولن يَعُقُّوكِ بقتالٍ. فَخَرَجَتْ لِذلكَ، وكانت نِيَّةُ بعضِ أصحابِها إن ثبتَ لهم البغْيُ أن يقاتِلوا الَّتي تبغي وكان مِنهم أبو بَكْرَةَ، ولم يرْجِعْ عن هذا الرَّأيِ أصلًا وإنَّما تشاءَمَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ في تمليكِ فارسَ امرأةً أنَّهم يُغلَبون لأنَّ الفَلَاحَ في اللُّغةِ البقاءُ، لا أنَّ أبا بَكْرةَ وهَّنَ رأيَ عَائِشَةَ، ولا في الإسلام أحدٌ يقولُه إلَّا الشِّيعةَ، فلم يُرِدْ أبو بَكْرَةَ بكلامِه إلَّا أنَّهم يُغلَبونَ إن قُوتلوا، وليس الغَلَبَةُ بِدِلالةٍ على أنَّهم على باطلٍ؛ لأنَّ أهلَ الحقِّ قد يُغلَبونَ وتكونُ لهم العاقبةُ، كما وعَدَ اللهُ المتَّقِين، وذلك عِيَانٌ في الصَّحابة يومَ حُنَينٍ وأُحُدٍ، وجعل اللهُ لهم العاقبةَ كما جَعَلَها لمن غَضِبَ لعُثْمانَ وأَنِفَ مِن قتْلِهِ وطَلَبَ دَمَهُ.
          وليس في الإسلام أحدٌ يقول: إنِّ عَائِشَةَ دعت إلى أميرٍ معها، ولا عارضت عليًّا في الخلافةِ ولا نازَعَتْهُ لِأخْذِ الإمارة، وإنما أنْكَرَتْ عليه مَنْعَهُ مِن قَتَلَةِ عُثْمانَ وتَرْكَهم دون أنْ يأخُذَ منهم حدودَ الله ودونَ أنْ يَقْتَصَّ لعُثْمانَ مِنهم لا غير ذلك، وَهُم الَّذين خَشَوها وخَشَوْا على أنفُسِهم فورَّشوا ودَسُّوا في جَمْعِ عَائِشَةَ مَن يقولُ لهم: إنَّ عليًّا يقاتِلُكم فخُذُوا حِذْرَكم وسُلُّوا سلاحَكُم. وقالوا لِعَلِيٍّ: إنَّهم يريدون أن يَخلعوكَ ويُقَاتلوكَ على الإمارةِ. ثمَّ استشهدوا بما يَرَوْنَه مِنْ أَخْذِ أصحابِ الجَمَلِ بالحزم وتعبئةِ الصُّفُوفِ وسَلِّ السِّلاح، ثم يقولون له: هل يفعلون ذلك إلَّا لقتالِكَ؟ حتَّى حرَّكوه وكانوا أوَّلَ مَن رَمَى فيهم بالسِّهامِ وضربوا بالسُّيوف والرِّماح حتَّى اشتبكَ القتالُ ووقعَ ما رامُوهُ، وكان في ذلك خَلاصُهم ممَّا خَشَوْهُ مِن اجتماعِ الفريقينِ على الاستقادةِ لِعُثْمانَ مِنهم، هذا أحسنُ ما نُقِلَ في ذلك.
          فَصْلٌ: وأمَّا حديثُ أبي مُوسَى وأبي مَسْعودٍ حين دَخَلَا على عمَّارٍ حيثُ بَعَثَهُ عليٌّ إلى أهلِ الكوفةِ يَسْتَنْفِرُهم، فجرى بينهم ما جرى مِن تقبيحِ رَأْيِ عمَّارٍ وإسراعِهِ في الفِتْنَةِ بالخروجِ وكَشْفِ الوجْهِ، وقد عَلِمَ نَهْيَ رسولِ الله صلعم عن حَمْلِ السِّلاحِ على المسلمين، ثمَّ توبيخِ عمَّارٍ لهما على قُعُودِهما عن ذلك، وكلُّ فريقٍ منهم مجتهدٌ له وجهٌ في الصَّواب، وكان اجتماعُهم عند أبي مسعودٍ بعدَ أنْ خَطَبَ عمَّارٌ النَّاسَ على المنبرِ بالنَّفِيرِ، وكان أبو مسعودٍ كثيرَ المالِ جَوادًا، وكان ذلك يومَ جُمُعةٍ فَكَساهما حُلَّتينِ لِيَشْهَدَا بهما الجُمُعةَ؛ لأنَّ عمَّارًا كان في ثِيابِ السَّفر وهيئةِ الحربِ فَكَرِهَ أنْ يَشْهَدَ الجُمُعةَ في تلك الثِّيابِ، وكَرِهَ أن يكسَوَهُ بِحَضْرَةِ أبي موسى ولا يكسَوَ أبا موسى لأنَّه كان كريمًا.
          فَصْلٌ: قولُه في الشِّعْرِ السَّالِفِ: (الحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً) هو مَثَلٌ، فشبَّه ابتداءَها بالشَّابَّةِ، والحربُ مؤنَّثةٌ قال الخليل: تصغيرُها حُرَيبٌ بِلا هاء، رَواهُ عن العرب. قال المازنيُّ: لأنَّه في الأصل مصدرٌ، وقال المبرِّد: قد تُذكَّر الحربُ، وأنشدَ عليه. قال سيبويه: بعضُهم يرفعُ أَوَّلُ وفَتِيَّةً على أنَّه أنَّث الأوَّلَ بقولِه: فَتِيَّةً، لأنَّه مِثْلُ: ذَهَبَتْ بعضُ أصَابِعِه، ومَن نَصَب أَوَّلَ على أنَّه في ذلك الحال ورَفَعَ فَتِيَّةٌ على أنَّها خبرٌ عن الحربِ، ويعني الحربُ أوَّل أحوالها إذا كانت فتيَّةً. وأجاز غيرُ سِيبَويْه إذا رُوِيَ الحرب أوَّل ما تكون فتيَّةً أنْ تكون فتيَّةً، وقدَّره بمعنى إذا كانتْ فتيَّةً، جَعَلَ فَتِيَّةً حالًا وتُؤنَّث أَوَّلُ على ما تقدَّم، وزعم المبرِّدُ أنَّ تقديرَه: أوَّل ما تكون وتسعى فتيَّةً ثمَّ تقدَّم الحال، وحكى أيضًا غيرَ ما رواه سيبويه وهو أن يُروى: الحربُ أوَّل. أي أنَّها أوَّلُ شيءٍ في هذه الحال.
          وقولُه: (وَشُبَّ ضِرَامُهَا) قال ابنُ التِّين: هو بِضَمِّ الشَّينِ، أي اتَّقدَتْ نارُها. يُقال: شُبَّ النَّارُ والحَرْبُ إذا أُوقِدَتَا، والضِّرامُ _بالكسْرِ_ إشعالُ النَّارِ في الحَلْفَاءِ وغيرِها.
          وقولُه: (وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ) أي صارتْ لا أرَب فيها ولا تُراد، والحَلِيل الزَّوجُ. جَزَمَ به ابنُ التِّين، وضَبَطَهُ الدِّمْياطيُّ بالأصل بخاءٍ معجَمةٍ، وفي الحاشية بحاءٍ مهمَلَةٍ.
          وقولُه: (شَمْطَاءَ) أي شابَ رأسُها، والشَّمَطُ بياضُ شَعَرِ الرَّأسِ يخالِطُهُ سوادٌ، والرَّجُل أشمطُ والمرأة شَمْطَاءُ، وقال الدَّاوُدِيُّ: يعني كثيرةَ الشَّيبِ.
          وقولُه: (يُنْكَرُ لَوْنُهَا) أي يبدَّلُ حُسنُها بقُبْحٍ.
          وقولُه: (مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ) أي تغيَّرَ فُوها بالبَخَر.
          فَصْلٌ: قولُه في حديثِ حُذَيفةَ: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ) يعني ما لا يكادُ الزَّوجانِ يَسْلَمَانِ مِنْهُ.
          وقولُه: (مَالِهِ) يعني أنَّ المجتهدَ وإن تَحَفَّظَ لا يَسْلَمُ في المالِ إذا اكتسبَهُ.
          وقولُه: (يُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ) أي لأنَّ الصَّلاةَ كفَّاراتٌ لِمَا بينهنَّ إلَّا حقوقَ العبادِ والحُدُودَ.
          وقولُه: (بَلْ يُكْسَرُ) أي يُقتَل عُمَرُ ولا يموتُ حَتْفَ أنْفِه، قاله الدَّاوُدِيُّ.
          وقوله: (أَجَلْ) أي نعم، قال الأخفش: إلَّا أنَّه أحسنُ مِن نعم في التَّصديقِ ونَعَم أحسنُ منه في الاستفهامِ، إذا قال: أنت سوف تذهبُ، قلتَ: أَجَلْ، وكان أحسنَ مِن نعم، فإذا قال: أتذهب؟ قلتَ: نعم، كان أحسنَ مِن أَجَلْ. وكذلك هو ها هنا في التَّصديق.
          وكان عُمَرُ ☺ يعلم أنَّهُ شهيدٌ، ولكنَّ الشَّهادةَ قد تكونُ مِن غيرِ القَتْلِ، وكان رَأَى دِيكًا نَقَرَه في ظَهْرِهِ ثلاثًا فَذَكَرَهُ لِأسماءَ بنتِ عُمَيسٍ ♦ فقالت: يطعنُكَ عِلْجٌ ثلاثَ مرَّاتٍ. وكان يدعو: اللَّهُمَّ شهادةً في سبيلِكَ ووفاةً في بَلَدِ رسولِكَ. كما سلف، وقال لَمَّا طُعِنَ وأُخبِرَ بمن طَعَنَه: الحمدُ لله الَّذي لم يَجعلْ قَتْلِي على يَدَيْ رَجُلٍ قد صلَّى لله صلاةً يُحَاجُّنِي بها عندَ الله.
          وقولُه: (حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ) أي حديثَ صِدْقٍ لا غلَطَ فيه، والأُغْلُوطَة ما يُغَلَّطُ به مِن المسائِلِ، وقال الدَّاوُدِيُّ: أي ليسَ بالحديثِ الَّذي يُتهاوَن فيه أو يُغْفَلُ عن شيءٍ منه لِفَظاعتِه؛ لأنَّه أوَّلُ شرٍّ يَدخُلُ على هذه الأُمَّةِ.
          (فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ) يعني حُذَيفةَ، وفيه هَيْبَةُ العالِمِ، قال ابنُ عُيَيْنَةَ: / رأيتُ مالكًا وهو عند زيدِ بن أسلَمَ وهو يَسألُه عن حديثِ عُمَرَ في الفَرَسِ الَّذي حُبِسَ، ومالكٌ يذكر له الكَلِمَةَ بعدَ الكَلِمَةِ أو يتلفَّظُهُ، وكان عُبَيدُ بن عبدِ الله يتلفَّظُ ابنَ عبَّاسٍ فكان يَخْزُنُ عنه.
          فَصْلٌ: قولُ أَبِي مُوسَى: (لَأَكُونَنَّ اليَوْمَ بَوَّابَ رَسُولِ الله صلعم، وَلَمْ يَأْمُرْنِي) كذا هنا، وفي حديثٍ آخَرَ: ((أَمَرَنِي بِحِفْظِ البابِ)) قال الدَّاوُدِيُّ: وهذا اختلافٌ ليس المحفوظُ إلَّا أحدُهما. قلتُ: يجوز أن يكونَ ذاك أوَّلًا والآخَرُ ثانيًا.
          والقُفُّ بِضَمِّ القافِ ثمَّ فاءٍ هو الدَّكَّةُ الَّتي تُجعَلُ حولَها، وأصْلُ القُفِّ ما غَلُظَ مِن الأرضِ وارتفعَ أو هو مِن القُفِّ اليابِس؛ لأنَّ ما ارتفعَ حول البِئرِ يكونُ يابِسًا في الغالب، والقُفُّ أيضًا وادٍ مِن أوديةِ المَدِينةِ عليه مالٌ لأهلِها. واقتصر ابنُ بطَّالٍ على قولِ صاحبِ «العين»: القُفُّ ما ارتفعَ مِن الأرضِ، ونحوُه قولُ ابنِ فارسٍ: إنَّه ما ارتفعَ مِن مَتْنِ الأرضِ. وعبارةُ الدَّاوُدِيِّ: ما حولَهُ.
          وقولُه: (فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ) يُؤخَذُ منه أنَّه ليس بعورةٍ.
          وقولُه في عثمانَ: (وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ) أَخْبَرَهُ بذلك لِيستعمِلَ الصَّبرَ عند البلاءِ فَفَعَلَ، وقال الدَّاوُدِيّ: وفيه أنَّ ابنَ المسيِّب كان مِن إحسانِه لِعبارةِ الرُّؤيا يعبِّرُ ما يُشْبِهُهَا، يعني بقولِه: (فَتَأوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمْ، اجْتَمَعَتْ هَاهُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ).
          فَصْلٌ: قولُه: (قِيلَ لِأُسَامَةَ: أَلَا تُكَلِّمُ هَذَا؟) يعني عثمانَ كما أسلفْناه، فأخبَرَ أنَّه يكلِّمُهُ سِرًّا، وكان أُسَامةُ على حَدَاثَتِهِ فاضِلًا ويستحقُّ وعْظَ الأَئِمَّةِ.
          وقولُه: (لَا أَقُولُ لِرَجُلٍ، أنتَ) هذا مِن المعارِيضِ والتَّحذيرِ لِلأَئِمَّةِ مِن الجَوْر، وقد عَلِمَ فَضْلَ عُثْمانَ.
          وقولُه: (كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ) يعني يُكثِرُ منه ويَفْعَلُ يسيرًا ويُكثِرُ النَّهْيَ ولا يَرْجِعُ عنه، وقيل لابنِ جُبَيرٍ: أيأمُرُ بالمعروفِ ويَنهى عن المنكَرِ مَن فيه شيءٌ؟ فقال: ومَن يَسْلَمُ مِن هذا. وقاله مالِكٌ، وقال الحَسَنُ لمُطَرِّفِ بنِ عبدِ الله بن الشِّخِّير: أَلَا تَعِظُ النَّاسَ؟ قال: أخشى أن أقولَ ما لا أفعلُ، قال: يغفِرُ اللهُ لَكَ، ودَّ الشَّيطانُ أنْ لو ظَفِرَ منكم بمِثْلِ هذا.
          فالمأذونُ له في ذلك هو المتحدِّي بحدودِ الإسلام، ولا شكَّ أنَّه لم يأمر ويَنْهَ الأمر لا بشيءٍ فيه سقطَ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأدَّى ذلك إلى قولِه هذا، وهذا فاسدٌ. وقد ذَكَرَ بعضُ الأصوليِّين أنَّ الصَّحيحَ مِن هذا ما عليه جماعةُ النَّاسِ أنَّ مُتعاطِيَ الكأسِ يجبُ عليه نَهْيُ جماعةِ الجُلَّاس، وقال مالكٌ: ليس المتحَدِّي بحُدُودِ الإسلام كاللَّاعب فيه الَّذي ينزو أو يَلعبُ.
          فَصْلٌ: قولُ أبي بَكْرةَ ☺: (لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الجَمَلِ) يريدُ قولَه: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً).
          وقولُه: (مَلَّكُوا ابْنَةَ كسْرَى) هو بكسْرِ الكاف وفتْحِها، وهو لقبُ ملوك الفُرْس، وعبارة ابنِ خَالوَيه أنَّه اسمٌ له، وأتى بقولِه: (لَنْ يُفْلِحَ...) إلى آخِرِه لِطاعتِهم لِعَائِشَةَ، ذُكِرَ أنَّ اللَّغطَ كَثُرَ يومًا وارتفعتْ أصواتُهم فقالت: صَهْ. فكأنَّما قُطِعَتِ الألْسُنُ. وذُكِرَ عن عليٍّ ☺: قاتلتُ خمسةً: أَطْوَعَ النَّاسِ، يعني عَائِشَةَ، وأشجعَ النَّاسِ، يعني الزُّبَيرَ، وأمكرَ النَّاسِ، يعني في الحروبِ يريدُ طَلْحَةَ بن عُبيد الله، وأعبدَ النَّاس، يريدُ مُحَمَّدَ بن طَلْحَة، وأعطى النَّاسِ، يريدُ يَعْلَى بنَ مُنْيَةَ كان يُعْطِي الرَّجلَ مِئتَيْ دِيْنَارٍ، وهو واهِبُ الجمَلِ لِعَائِشَةَ واشتراهُ بمِئَتَيْ دِينَار واسمُه عَسْكر.
          فَصْلٌ: واحتَجَّ به مَن مَنَعَ قضاءَ المرأةِ وهو مذهبُنا ومشهورُ مذهبِ مالكٍ، وَوَلَّى عُمَرُ الشِّفَاءَ أمَّ سُلَيْمانَ خاتمةً بالسُّوق، وقاله ابنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ، يعني فيما يجوز شهادتُهنَّ فيه.
          فَصْلٌ: وصعودُ الحَسَنِ على المنبرِ فوقَ عمَّارٍ لِقِرَابَتِه مِن رسولِ الله صلعم ولأنَّه ابنُ الخليفة، وكان عمَّارٌ مِن جِلَّةِ الصَّحابةِ أيضًا وهو مِن أهل بدرٍ، وفيه أُنزِلت: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} [النحل:106] وقُتِلَ يومَ صِفَّينَ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ) قدَّم فَضْلَها قَبْلَ أنْ يُخبِرَ بما ابتُلُوا به منها، ودَلَّ قولُ أبي بَكْرةَ أنَّه لولا عَائِشَة لكان مع طَلْحَةَ والزُّبَير؛ لأنَّه لو تبيَّنَ له خطؤُهُما لَكان مع عليٍّ. ومحاورةُ أَبِي مسعودٍ وأَبِي موسى لِعمَّارٍ أنَّ الحقَّ مع عليٍّ فقاتَلَ معه، وأشكَلَ على أولئكَ فتوقَّفُوا.