التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: من حمل علينا السلاح فليس منا

          ░7▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا)
          7070- 7071- ساقهُ مِن حديثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى ♥.
          7072- ثمَّ سَاقَ مِنْ حديثِ مُحَمَّدٍ _هو ابنُ سَلَامٍ_ إلى أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ مرفوعًا / قَالَ: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ).
          7073- وحديثَ جابرٍ: مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ ◙: (أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا) قَالَ: نَعَمْ.
          7074- وفي لفظٍ (أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا لَا يَخْدِشُ مُسْلِمًا).
          7075- وحديثَ أَبِي مُوسَى مرفوعًا: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا _أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ_ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ).
          الشَّرح: معنى (فَلَيْسَ مِنَّا) أي ليسَ مِن شريعتِنا فليس متَّبِعًا لها ولا سالكًا سبيلَنا، كقولِه ◙: ((ليس منَّا مَن شقَّ الجيوب)) ونظائرِه؛ لأنَّ مِن حقِّ المسلمِ على المسلمِ أن ينْصُرَهُ ولا يخذُلَه ولا يُسْلِمَه، وأنَّ المؤمنَ للمؤمِنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضًا، فمَنْ خَرَجَ عليهم بالسَّيفِ بتأويلٍ فاسدٍ رآهُ فقد خالفَ ما سنَّه الشَّارعُ مِن نُصْرَةِ المؤمنينَ وتعاوُنِ بعضِهم لبعضٍ، وقيل: يعني إذا كان مُستحِلًّا، ويحتمل أن يريد أنَّه ليس بكاملِ الإيمان.
          والفقهاءُ مُجمِعون على أنَّ الخوارِجَ مِن جُمْلَةِ المؤمنينَ لإجمَاعِهم كلهم على أنَّ الإيمانَ لا يُزيلُه إلَّا الشِّرْكُ بالله ورُسُلِه والجَحْدُ لذلك، وأنَّ المعاصي غيرَ الكُفْرِ لا يُكفَّرُ مرتكبُها، وفي «مستدرَك الحاكم» مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ ☻ قال: قال رسولُ الله صلعم لعبدِ الله بن مسعودٍ: ((أتدري ما حُكْمُ اللهِ فيمن بَغَى مِن هذه الأُمَّة؟)) قال ابنُ مَسْعُودٍ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: ((فإنَّ حُكْمَ اللهِ فيهم أَلَّا يُتَّبَعَ مُدْبِرُهم ولا يُقتَلَ أسيرُهم ولا يُذَفَّف على جريحهم)) وعِلَّتُه كَوثرُ بنُ حكيمٍ وهو ضعيفٌ، وفي روايةِ للبَيْهَقِيِّ: ((ولا يُقْسَم فَيْئُهم)) وذكره ابنُ بطَّالٍ عن كتابِ «الكفِّ عن أهل القِبلة» لأسدِ بن مُوسَى عن هُشَيمٍ حدَّثنا كوثرُ بن حكيمٍ حدَّثنا نافعٌ عن ابنِ عُمَرَ ☻ مرفوعًا به، وبالزِّيادة الأخيرة. ثمَّ قال: وبهذا عَمِل عليُّ بن أبي طالبٍ ☺ ورَضِيَتِ الأُمَّةُ أجمعُ بِفِعْلِه هذا فيهم. وقال الحَسَن بن عليٍّ: لولا عليُّ بن أبي طالبٍ لم يعلمِ النَّاسُ كيف يقاتِلون أهلَ القِبلةِ، فقاتَلَهم عليٌّ على ما كان عندَه مِن العِلْمِ فيهم عن رسولِ الله صلعم، فلم يكفِّرْهم ولا سَبَاهم ولا أخذَ أموالَهم، فمُوارثتُهم قائمةٌ ولهم حُكْمُ الإسلام.
          فَصْلٌ: ونهيُه عن الإشارةِ بالسِّلاح وأَمْرُهُ بأن يُمسَكَ نِصَالُها مِن بابِ الأَدَبِ وقَطْعِ الذَّرَائِعِ ألَّا يُشِيرَ أحدٌ به خوفَ ما يَؤولُ منه ويُخشَى مِن نَزْغ الشَّيطان.
          فَصْلٌ: وقولُه: (فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّار) أي إنْ أنفذَ اللهُ عليه وعيدَهُ، وهو مذهبُ أهلِ السُّنَّة.
          وقولُه: (يَنْزِعُ) هو بالعينِ المهمَلَةِ، وذكره ابنُ بطَّالٍ بالمعجمةِ فقال: ومَن رَوَاهُ به فقال صاحبُ «العين»: نَزَغ بين القوم نَزْغًا حَمَلَ بعضَهم على بعضٍ لفسادِ ذاتٍ بينهم، ومنه نَزْغُ الشَّيطان. وقال صاحبُ «الأفعال»: نزَغَ بيدٍ أو رُمْحٍ طَعَن، ثمَّ قال: ومَن رواه بالمهمَلَةِ فهو قريبٌ مِن هذا المعنى، وقال صاحب «العين»: نَزَعْتُ الشَّيءَ مِن الشَّيءِ نَزْعًا قَلَعْتُهُ منه، ونَزَعَ بِالسَّهمِ رَمَى به، وعليه جَرَى ابنُ التِّين فقال: قولُه: (لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ) أي يَقْلعه مِن يدِهِ فيُصيبُ به. وقيل: يشدُّ يدَه فيُصيبُهُ. والخَدْشُ أقلُّ مِن الجِرَاح.
          وقولُه: (فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ، أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ) هو مِثْلُ قولِه تعالى {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء:176] قال الكِسَائيُّ: المعنى لئلَّا تَضِلُّوا، ومِثْلُه الحديثُ: ((لا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ على وَلَدِهِ أنْ يُوافِق مِن اللهِ إجابةً)) أي لِئلَّا يوافقَ، وهذا القولُ عند البصريِّينَ خطأٌ لا يُجيزون إضمار لا، والمعنى عندهم: كراهةَ أنْ تَضِلُّوا ثمَّ حذف، مِثْلَ: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} [يُوسُفَ:82].