التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: الفتنة من قبل المشرق

          ░16▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ)
          7092- ذَكَرَ فيه حديثَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ الله صلعم أَنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: (الْفِتْنَةُ ها هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ). أَوْ قَالَ: (قَرْنُ الشَّمْسِ).
          7093- وحديثَ لَيْثٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلعم وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقُولُ: (ألَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ).
          7094- وحديثَ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَقَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا) قَالُوا: (يَا رَسُولَ الله) وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا) قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَفِي نَجْدِنَا، فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ).
          7095- وحديثَ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] فَقَالَ: (هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟! إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلعم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ).
          وسَلَفَ في الأنْفَالِ [خ¦4651].
          الشَّرحُ: ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ إلى أنَّه قَرْنٌ على الحقيقة، وذَكَرَ الهَرَوِيُّ نحوَه أنَّ قَرْنيْهِ ناحِيَتِا رأسِه، وقيل: معنى قَرْنِهِ أهلُ حِزْبِه وإرادتِهِ. وقال الحَرِيْمِيُّ: هذا مثَلٌ، أي حينئذٍ يتحرَّكُ الشَّيطانُ ويَتَسَلَّطُ، وقيل: القَرْنُ القُوَّةُ، أي يطلُعُ حين قُوَّةِ الشَّيطان. وفي «الصِّحاح»: قَرْنُ الشَّمسِ أعلاها، وقيل: أراد به قومًا أحداثًا بعد أن لم يكونوا. وقال الخطَّابيُّ: القَرْنُ الأصلُ فيه أن يُضرَبَ به المثَلِ فيما لا يُحمَدُ مِن الأمورِ لقولِه ◙ في الفتنةِ وطلوعِها مِن ناحيةِ المشْرِقِ: ((ومنهُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطانِ)) وقال في الشَّمسِ: ((إنَّها تَطْلُعُ بين قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ)).
          والقَرْنُ الأُمَّةُ مِن النَّاسِ يَحْدُثُون بعد فَنَاءِ آخَرين، قال الشَّاعر:
إِذَا مَا مَضَى القَرْنُ الَّذي أَنْتَ مِنْهمُ                     وخُلِّفْتَفِي قَرْنٍ، فَأَنتَ غَرِيبُ
          وقال غيرُه: كان أهلُ المشْرِقِ يومئذٍ أهلَ كُفْرٍ فأخبَرَ ◙ أنَّ الفِتنةَ تكونُ مِن تلك النَّاحيةِ؛ وكذلككانت الفِتنةُ الكبرى الَّتي كانتْ مِفتاحَ فسادِ ذاتِ البَيْنِ وهي قَتْلُ / عُثْمانَ، وكانتْ سببَ وقعةِ الجَمَلِ وصِفَّين ثمَّ ظهورِ الخوارجِ في أرضِ نجْدٍ والعِراقِ وما وراءَها مِن المشْرِقِ، ومعلومٌ أنَّ البِدَعَ إنَّما ابتدأتْ مِن المشْرِقِ وإنْ كان الَّذين اقتتلوا بالجَمَلِ وصِفَّين كثيرٌ منهم مِن أهلِ الشَّامِ والحِجازِ فإنَّ الفِتنة وقَعَتْ مِن ناحيةِ المشْرِقِ، وكان ذلك سببًا إلى افتراقِ كلمةِ المسلمينَ وفسادِ شأنِ كثيرٍ منهم إلى يومِ القيامة، وكان سيِّدُنا رسولُ الله صلعم يحذِّر مِن ذلك ويعلمُ به قبلَ وقوعِه، وذلك مِن دِلالاتِ نُبُوَّتِهِ.
          فَصْلٌ: قولُه: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ) هو بكسْرِ الكافِ، أي فَقَدتْكَ. والفِتنةُ هنا الكُفْرُ.
          قال الخطَّابيُّ: نجْدٌ ناحيةُ المشْرِقِ، ومَن كان بالمدينةِ كان نجْدُهُ باديةَ العراق ونواحِيَها وهي مَشْرِقُ أهلِها، وأصلْ النَّجْدِ ما ارتفعَ مِن الأرضِ بخلافِ الغَوْرِ فإنَّه ما انخفضَ منها، وتِهَامةُ كلُّها مِن الغَوْرِ ومنها مكَّةُ، قال: والفِتن تبدو مِن المشْرِقِ، مِن ناحيتِها يخرُجُ يأجُوجُ ومأجُوجُ والدَّجَّال في أكثرِ ما يُروَى مِن الأخبار. وقال الدَّاوُدِيُّ: نجْدٌ مِن ناحيةِ العراقِ. وقال كَعْبٌ: بها الدَّاء العُضَالُ وهو الهلاكُ في الدِّين، رواه ابنُ القاسم عن مالكٍ، وروى عنه مُطَرِّفٌ أنَّه أبو زيْدٍ وأصحابُه، وهذا يُنزَّهُ عنه مالكٌ واللهُ أعلمُ هل قاله. وبها تِسعَةُ أَعْشَارِ السِّحْرِ، ذَكَرَهُ كلَّه ابنُ التِّين.