التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          ░20▒ (بَابٌ)
          2348- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيرَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللهُ _تعالى_: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللهِ لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَو أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلعم).
          أخرجه أبو يعلى في «مسنده» موقوفًا، وفيه: ((فبذرَ حَبَّهُ)).
          والحديث دالٌّ أنَّ كلَّ ما اشتُهِي في الجنَّة مِنْ أعمال الدُّنيا ولذَّاتها فممكنٌ فيها؛ لقوله _تعالى_ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71].
          و(الطَّرْفَ) بفتح الطَّاء وإسكان الرَّاء هو امتدادُ لَحْظِ الإنسان حيث أَدرك، وقيل: طَرْفُ العينِ: حركتُها، أي تَحرُّكُ أجفانِها، و(البَادِيَةِ) وفي روايةٍ: <البدو> وهُما بغير همز لأنَّه مِنْ بَدَا الرَّجلُ يبدُو إذا خَرج إلى البادية فنزلها، والاسمُ البَداوَةُ بفتح الباء وكسرها، هذا هو المشهور، وحُكِي بَدَأ بالهمز يبدُؤ وهو قليلٌ.
          وفيه: أنَّ مَنْ لَزم طريقةً أو حالةً مِنَ الخير أو الشَّرِّ أنَّه يجوز وصفُه بها، ولا حَرَج على واصفِهِ بالشَّرِّ إن لزم طريقته، وفيه ما جَبَلَ الله نفوسَ بني آدمَ عليه مِنَ الاستكثار والرَّغبة في متاع الدُّنيا، لأنَّ الله _تعالى_ أغنى أهلَ الجنَّة عن نَصَب الدُّنيا وتعبِها، فقال _تعالى_: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر:34].
          وقوله: (دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ) فيه فضلُ القناعة والاقتصار على البُلْغَة، وذمِّ الشَّرَهِ والرَّغبة.