التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما كانَ من أصحاب النبي يواسي بعضهم بعضًا

          ░18▒ (بَابُ: مَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ _صلعم_ يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرِ)
          2339- ذكر فيه حديثَ أَبِي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: (سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ ظُهَيْرٌ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ _صلعم_ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا، قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ فَهُو حَقٌّ. دَعَانِي رَسُولُ اللهِ _صلعم_ قَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ، وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، فَقَالَ: لاَ تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا أَو أَزْرِعُوهَا أَو أَمْسِكُوهَا، قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ: سَمْعًا وَطَاعَةً).
          2340- وحديثَ عَطَاءٍ: (عَنْ جَابِرٍ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَو لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ).
          2341- (وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ: حَدَّثَنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَو لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ).
          2342- (حَدَّثَنا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ، فَقَالَ: يُزْرِعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا).
          2343- وحديثَ نَافِعٍ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ).
          2344- (ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أَنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِع، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ _صلعم_ عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ بِمَا عَلَى الأَرْبِعَاءِ، وَبِشَيْءٍ مِنَ التِّبْنِ).
          2345- وحديثَ ابن عمر: (كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى، ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ).
          الشَّرح: هذِه الأحاديث أخرجها كلَّها مسلمٌ، وقد سلف الكلامُ عليها، وتعليقُ الرَّبِيعِ بن نافعٍ أسندَه مسلمٌ أيضًا فقال: حَدَّثَنا حسنٌ الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنا أبو تَوبةَ... فذكره.
          وقوله: (رَافِقًا) أي ذا رفقٍ، كقوله: ناصبٌ، أي ذو نَصَبَ، وقد يكون بمعنى: مُرفِقٍ كما ذكره ابن التِّيْنِ، وفي الحديث: ((مَنْ باع بالدَّراهمِ سلَّط الله عليه تالفًا)) أي متلِفًا.
          والمَحاقِلُ المَزارعُ كما سلف، والرَّبِيْعُ السَّاقية، قاله الخطَّابيُّ، وقال ابن فارسٍ: هو النَّهر، وقال الجوهريُّ: الجدول، وقيل: النَّهر الصَّغير، و(الأَرْبِعَاءِ) جمع ربيعٍ، وهو النَّهر الصَّغير.
          قال الدَّاوُدِيُّ: قد تبيَّن أنَّ النَّهي عن الكِراء بالرُّبع ممَّا يَخرُجُ منها؛ لأنَّه مجهولٌ. قال: وذكر التِّبْنُ والشَّعيرُ معه فصار مجهولًا ومعلومًا فلا يجوز، وكأنَّ الدَّاوُدِيَّ حملَ النَّهي على أنَّه جزءٌ مِنَ الأرض، والصَّحيح أنَّ معناه: أنَّ مَا جاءت به السَّاقية وهو الرَّبيع، فهو خاصٌّ لربِّ الأرض، وفي بعض الرِّوايات: ((على الرَّبيع والأوسق))، وهو نحو قول الدَّاوُدِيِّ.
          وقوله: (أَزْرِعُوهَا) أي امنحوها مَنْ يزرعها لنفسه، يُقال: أزرَعتُه أرضًا إذا جعلتَها له مَزرعةً، وأَرعيتُه: جَعلتُ له مرعًى، وأسقيتُه بئرًا: جعلتُ له سُقياها.
          وحديثُ جابرٍ: (فَلْيَزْرَعْهَا أَو لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ)، قد بيَّنه بقوله: كانوا يزرعونها بالثُّلث والرُّبع والماذِيانات، فانتهى ابنُ عمرَ عن ذلك، وخشي أن يكون حدَث ما لم يعلم.
          واحتجَّ مَنْ جوَّز المُزارَعةَ بحديثِ ابنِ عمر في معاملته _◙_ مع أهل خَيْبر بالشَّطر، واحتجَّ مَنْ منع بحديث رافعٍ عن عمِّهِ، وبحديث جابرٍ، وبترْكِ ابنِ عمرَ إجارةَ الأرض مِنْ أجل مَا جاء في ذلك، وقد سلف واضحًا، وذكرنا ثَمَّ اختلافَ العلماء في كِرائها بالطَّعام، فعند الأئمَّة خلافًا لمالكٍ جوازُه، وبه قال الأوزاعيُّ والثَّوريُّ وأبو ثورٍ، ورُوي عن النَّخَعيِّ وعِكْرِمة وسعيدِ بن جُبَيْرٍ.