التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كراء الأرض بالذهب والفضة

          ░19▒ (بَابُ: كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ
          وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأجِرُوا الأَرْضَ البَيْضَاءَ مِنَ السَّنَةِ إلى السَّنَةِ).
          2346- ثمَّ ساق حديثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءِ أَو بِشَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ _صلعم_ عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْنَا لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: (فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ)، قال أبو عبد الله مِنْ هاهنا: (وَقَالَ اللَّيْثُ: أَرَاهُ وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَو نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الفَهْمِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ المُخَاطَرَةِ).
          انفردَ البُخارِيُّ بزيادةِ كلام اللَّيث إلى آخره، وأثرُ ابن عَبَّاسٍ رواه وكيعٌ في «مصنَّفه» عن سفيانَ، عن عبد الكريم، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ قال: إنَّ أمثلَ مَا أنتم صانعون أنْ تستأجروا الأرضَ البيضاءَ بالذَّهب والفضَّة، وفي «مصنَّف ابن أبي شَيبةَ» حكى جوازَ ذلك عن سعد بن أبي وقَّاصٍ، وسعيد بن المسيِّب، وسعيدِ بن جُبَيْرٍ، وسالمٍ، وعُروةَ، والزُّهريِّ، وإبراهيمَ، وأبي جعفرٍ محمَّدِ بن عليِّ بن الحسينِ، وذَكر حديثَ رافعٍ مرفوعًا في جواز ذلك، وفي حديث سعيد بن يزيدَ: وأمرَنا النَّبِيُّ _صلعم_ / أن نُكرِيَها بالذَّهب والوَرِق.
          وعَمَّا رافعٍ ستعلمهُمَا في غَزاة بدرٍ.
          أمَّا حكمُ الباب وهَو كِراء الأرض بالذَّهب والفضَّة فإجماعٌ إلَّا مَنْ شذَّ كما أسلفتُه، قال ابن المُنْذِرِ: أجمعَ الصَّحابةُ على جوازه، وذهب ربيعةُ إلى أنَّ الأرض لا يجوز أنْ تُكرى بغيره، وقال طاوسٌ: لا تُكرى لا بالذَّهب ولا بالفضَّة، وتُكرى بالثُّلث والرُّبع، وقال الحسن البصريُّ: لا يجوز أن تُكرى الأرضُ بشيءٍ، لا بذهبٍ ولا فضَّةٍ ولا غيرهما. حُجَّتُه حديث رافعٍ مِنَ النَّهي عن كرائها مطلقًا، وقال: إذا استُؤجرت وحَرَث فيها لعلَّه أنْ يحترق زرعُه فيردَّها وقد زادت بحرثه لها، فينتفعَ ربُّ الأرض بتلك الزِّيادة دون المستأجِر، وليس بشيءٍ لأنَّ سائر البيوع لا تخلو مِنْ شيءٍ مِنَ الغَرَر، والسَّلامةُ منها أكثرُ، ولو رُوعي في البيوع ما يجوز أن يحدُثَ لم يصحَّ بيعٌ، ولا وجهَ لأجل خشية ما يحدث، وقد ثبتَ عن رافعٍ في هذا الباب أنَّ كِراء الأرضِ بالنَّقدَين جائزٌ، وذَلِكَ مضافٌ إلى رَسُول الله صلعم، وهو خاصٌّ يقضي على العامِّ الَّذِي فيه النَّهي عن كَرْي الأرض بغير استثناءِ ذهبٍ ولا فضَّةٍ، والزائد مِنَ الأخبار أَولى أنْ يؤخذ به، لئلَّا تتعارض الأخبار ويَسقط شيءٌ منها. وقال الخطَّابيُّ: لا خلاف في الصِّحَّة إذا كان نقدًا.