التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب اقتناء الكلب للحرث

          ░3▒ (بَابُ: اقْتِنَاءِ الكَلْبِ لِلْحَرْثِ)
          2322- ذكر فيه حديثَ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، رَفَعَهُ: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَو مَاشِيَةٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ وَأَبُو صَالِحٍ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_: إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَو حَرْثٍ أَو صَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ: كَلْبَ صَيْدٍ أَو مَاشِيَةٍ).
          2323- وَحديثَ سفيانَ بن أبي زُهيرٍ رَجُلٍ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ صَحابيٍّ قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ. قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ).
          الشَّرح: أخرجَهما مسلمٌ أيضًا، وفي الباب عن ابن عمرَ أخرجاه ويأتي في باب إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم [خ¦3323]، وعبدِ الله بن مغفَّل صحَّحه التِّرْمِذِيُّ وأصله في مسلمٍ، وجابرٍ أخرجه التِّرْمِذِيُّ، وبُرَيدة.
          قال عبد الحقِّ: ولم يذكر البُخارِيُّ الصَّيدَ في حديث أبي هُرَيرَةَ إلَّا في طريقٍ منقطعةٍ، قال التِّرْمِذِيُّ: ويُروى عن عَطاءِ بن أبي رَباحٍ أنَّه رخَّصَ في إمساك الكلب وإنْ كان للرَّجل شاةٌ واحدةٌ، قال: ويُروى في بعض الحديث: ((إنَّ الكلبَ الأسودَ البَهيمَ شيطانٌ)) والبَهيمُ: الَّذِي لا يكون فيه شيءٌ مِنَ البَياض، وقد كَره بعضُ أهل العلم صيدَ الكلب الأسودِ البَهيم.
          أمَّا فقهُ الباب: فالأحاديث دالَّة على إباحة اتِّخاذ الكَلب للزَّرع والماشية والصَّيد، وفي معناها اتخاذُها لحفظ الدُّروب، وهو الأصحُّ عندنا عملًا بالعلَّة، وهي الحاجة لاتِّخاذ جروٍ لذلك على الأصحِّ، وأمَّا حديث النَّهي عن ثمن الكلب والهرِّ إلَّا الكلبَ المعلَّمَ فواهٍ كما بيَّنه ابن حِبَّان.
          فائدة: (شَنُوءَةَ) اسمٌ للحارث بنِ كعب بن عبد الله بن مالكِ بن نَصرٍ الأَزْديِّ، والنَّسب إليهم: شَنُوئيٌّ وشَنائيٌّ، وقال ابن فارسٍ: الشَّنوءَةُ التَّغيُّر، ومنه: أَزْدُ شَنوءةَ، والشَّنائيُّ بالهمز، وفي بعض النُّسخ بالواو، وهو صحيحٌ على إرادة التَّسهيل، ورواه بعضُهم بضمِّ الشِّين على إرادة الأصل.
          والاقتناء: الاتِّخاذ لنفسه لا للتَّجارة، قال الدَّاوُدِيُّ: معناه كسب، مِنْ قوله: {أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم:48]، قال غيره: معنى أَقْنى: أعطى وأرضى. والضَّرع يُقال للشَّاة وغيرِها، والقِيراطُ قيل: هو مِنَ التَّمثيل، مِثْلُ جبل أحد.
          وقوله: (إِي وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ) أقسَمَ ليؤكِّد ما ذَكره ليتحقَّقوه وينقُلوه، والمراد _والله أعلم_ بنقْصِ العمل في المستقبَل لا الماضي، وأراد أنَّ عملَه في الكمالِ ليس كعملِ مَنْ لم يتَّخذ، فنهى أوَّلًا عن اتِّخاذها، وغلَّظ في وُلوغها، ثمَّ نهى عن ثمنها، ثمَّ ذكر نقْصَ عملها، ثمَّ أمر بقتلِها، وأراد نقصَ ثوابِ العمل.